استخبارات العدو “الإسرائيلية” .. البناء التنظيمي ووسائل التجسس
مقدمة
إن تعدد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بمختلف مسمياتها ومهامها يعكسُ حجمَ الاهتمام البالغ الذي تُوليه قيادةُ الكيان لأجهزة جمع المعلومات؛ حيث إن الاعتقاد السائد منذ إنشاء دولة الكيان أن لأجهزة جمع المعلومات اللبنة الأولى في إنشاء الدولة، ولها الفضل في تحقيق أهداف الدولة التوسعية، وكذلك معرفة نوايا البيئة الاستراتيجية المحيطة بالكيان وحمايتها، وعلى الرغم من صِغر حجم دولة الكيان إلا إننا نجد أن أجهزتها الأمنية تعمل بميزانيات عالية، وبهيكلية تفوق بكثير الدولَ المحيطةَ بها في الإقليم، كما أنها تُعدُّ -بتلك الأجهزة الاستخبارية- من الدول الرائدة في العالم على صعيد التجسس والتنصت وجمع المعلومات، كما أن لجهودها الاستخبارية دورًا كبيرًا في إضعاف الدول المحيطة، ومساعدة الأنظمة الفاسدة على البقاء والاستمرار في الحكم؛ حيثُ تُقدمُ لها الدعمَ الاستخباريَّ الذي يضمن لها اكتشاف أي نشاطات معارضة لها والتعامل معها، وبحسب معطيات وزارة المالية التي تفصّل إدارة ميزانية الدولة العبرية، فإن ميزانية جهازي: الموساد والشاباك في العام 2013 وصلت 6.63 مليار شيقل، وهي ميزانية ضخمة مقارنة ببقية الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقية.
وما يميز طبيعة عمل الأجهزة الاستخبارية في الكيان عدم وجود ضوابط ونظم تحكم عملها وتحدد خطوطًا حمراءَ لها، فهي تعمل بمطلق الحرية وبراحة تامة بهدف الحفاظ على أمن إسرائيل.
وسنعرج في هذه الدراسة على أجهزة الاستخبارات في دولة الكيان، ونتناول لمحة عن كل جهاز منذ تأسيسه، مرورًا بتطوره، والمهام المناطة به، ثم سنتطرق إلى أساليب وطرق جمع المعلومات التي تستخدمها تلك الأجهزة، ونكشف عن تقنيات التجسس.
إن مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي شهد في الأعوام الأخيرة تغيرات كبيرة هدفت إلى مواكبة أجهزة المخابرات العالمية، والتكيُّف مع العالم الرقمي، وتوظيف التكنولوجيا لخدمة الأنشطة الاستخبارية. وتتميزُ هذه الدراسة أنها تقدم عن قرب تلك التغيرات التي حدثت في البناء التنظيمي، والتغيرات التي حدثت في أساليب وطرق جمع المعلومات التي ظهرت اعتمادًا على الوسائل والأدوات الحديثة التي طورتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
إن هدف الدراسة الرئيس هو توضيح حجم الجهد الاستخباري الذي تبذله إسرائيل، والتغييرات المستمرة التي تطرأ على البناء التنظيمي لمجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، بما يلبي حاجات إسرائيل الأمنية.
وتهدف الدراسة أيضًا إلى رفع مستوى الوعي داخل الساحة الفلسطينية، وذلك ضمن إطار التعريف بوسائل جمع المعلومات لدى أجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وقدراتها التقنية المتقدمة؛ بهدف تحصين الجبهة الداخلية للمجتمع الفلسطيني، ومنع تحقيق أي اختراق قد تقوم به تلك الأجهزة، وتحييد نشاطاتها وقدراتها في جمع المعلومات.
وتتكون الدراسة من ثلاثة فصول، تحدث الفصل الأول عن لمحة تاريخية عن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والمراحل التي مرت بها، حتى وصلت إلى التطور القائم اليوم.
وتناول الفصل الثاني من الدراسة نظرة عن قرب على واقع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وتطورها، وبنائها التنظيمي، وأبرز مهامها، وقدراتها، ويشكل هذا الفصل عرضًا لحجم المجهود الاستخباري الذي تبذله أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وكيفية تخصيص مهام الجمع المعلوماتي وتوزيعها؛ بحيث تحقق طموحات إسرائيل الأمنية وحاجاتها، وقد تم التركيز فيه على الأجهزة الثلاثة الاكثر جمعًا للمعلومات، والتي تخص هدف الدراسة تحديدًا.
وتناول الفصل الأخير وسائل أجهزة الأمن الإسرائيلية في جمع المعلومات، وقد ركز هذا الفصل على أهم وسيلتين، وهما: العنصر البشري لجمع المعلومات السرية، ووسائل وتقنيات التجسس.
وفي نهاية الدراسة تم وضع ملخص لأهم التوصيات التي تحصل عليها الباحث من خلال الدراسة، والتي يعتقد الباحث أنها ستحد من فاعلية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وأدائها.
الفصل الأول
لمحة تاريخية عن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية
نعرض في هذا الفصل تأسيس وتطور أنشطة وهيكليات أجهزة مخابرات الكيان الإسرائيلي، والإنتاج الاستخباري لها، والمراحل التي مرت بها.
مرَّ العمل الاستخباري للكيان الإسرائيلي بمراحل عديدة منذ نشأته، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
أولًا- المرحلة الأولى (التأسيس):
عُرفَ في الأيام الأولى لِما قبل قيام الدولة وحتى نشوب حرب عام 1948م ما يُسمى بـ”مخابرات المستوطنات”، وكانت تتكون من منظمتين رئيستيْن، تُعرفُ الأولى بـ”القسم السياسي للوكالة اليهودية”، الذي تأثر في أعماله وأنشطته ومبناه الإداري بالمخابرات البريطانية، ومع إقامة الدولة تم دمج هذا القسم في وزارة الخارجية، على غرار ما حدث في المخابرات البريطانية.
عمل هذا القسم في مجال جمع المعلومات عن العلاقات بين الفلسطينيين والدول المجاورة، والعلاقات بين الدول العربية والدول العظمى، والعلاقات العربية– العربية، والتطورات الداخلية في الدول العربية التي كان لها تأثير على إسرائيل، كما عمل هذا القسم على جمع معلومات عامة: أمنية وسياسية، وإقامة علاقات مع عناصر استخباراتية غربية، وشن عمليات تخريبية تهدف لعرقلة الأعمال العدائية، وراقب هذا القسمُ العملياتِ الاستخباراتية الأجنبية في فلسطين.
أما المنظمة الأخرى، فكانت تُعرفُ بـ “هيئة المعلومات لمنظمة الهاجاناة العسكرية” التي كانت النواة الأولى والأساسية لجيش الكيان، وتركزت أنشطتها حول الجبهة الداخلية، وعرب الداخل، والبريطانيين، والبلدان العربية، وقامت الهيئة بتجنيد شبكات من المتطوعين والمتعاونين. ومع إنشاء الجيش الإسرائيلي تفككت هذه الهيئة، واستُخدمت وحداتُها المختلفة لتشكيل هيئة استخباراتية عسكرية داخل الجيش.
ثانيًا- المرحلة الثانية:
خلال أواسط عام 1948م، وفي ذروة اشتعال حرب النكبة، شكلت المخابراتُ الهيئاتِ الآتية:
أ- هيئة المخابرات في الجيش، التي تحولت في يونيو 1949م إلى قسم استخباراتي في شعبة العمليات التنفيذية بالجيش، وفي نوفمبر 1949م تم تشكيل سلاح المخابرات كإطار مهني خاص لعموم رجال المخابرات بالجيش.
ب- قسم سياسي في وزارة الخارجية خاص بالأنشطة الاستخباراتية في الخارج.
ت- هيئة المعلومات الداخلية، وتختص بالأمن الداخلي، وخاصة في إحباط المؤامرات السياسية والعمليات الإرهابية، وتحولت الهيئة فيما بعد إلى جهاز الشاباك الذي أنشئ في فبراير 1949م.
وفي أبريل 1949م تشكلت “لجنة التنسيق بين الهيئات العليا” برئاسة “رأوبين شيلواح”، أمين سر رئيس الوزراء “بن جوريون”، ويتكون أعضاء هذه اللجنة من رؤساء الأقسام السياسية، والشاباك، والمخابرات العسكرية، وشرطة إسرائيل. أما “المؤسسة المركزية لتركيز وتنسيق الخِدْمات المخابراتية والأمنية”، فقد تشكلت في 13 ديسمبر عام 1949م، وترأسها “شيلواح” أيضًا، وكان الهدف منها تطوير أنشطة المخابرات وتنسيقها، وربما اختار “بن جوريون” رئيسًا واحدًا للمنظمتين لتفهمه لأهمية التنسيق بين أجهزة المخابرات والسيطرة المركزية عليها، إضافة إلى الدروس التي استفاد منها “بن جوريون” من الصراعات التي نشبت بين وزارة الخارجية والمخابرات العسكرية، لاسيما فيما يتعلق بجمع المعلومات من الخارج.
وفي صيف عام 1949م تم إخراج الشاباك من التبعية لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وأصبح تابعًا لوزارة الدفاع، وكانت الأسباب وراء ذلك “بيروقراطية” في جانب منها، إذ إن الشاباك زعم أن الجيش لا يعطيه حقه فيما يتعلق بتخصيص الموارد.
ثالثًا- المرحلة الثالثة والأخيرة:
في مارس 1954م تحولت “المؤسسة المركزية لتركيز وتنسيق الخِدْمات الاستخباراتية والأمنية” إلى هيئة مستقلة بذاتها، ولم تعد تابعة لوزارة الخارجية، وأصبحت تابعة لرئيس الوزراء بصورة مباشرة، وفي المقابل حدث تغير جوهري في مهامها، حيث أُنشئت هيئة مركزية مستقلة داخل هذه المؤسسة، منوطة بكل العمليات الاستخباراتية خارج البلاد، التي مثلت فيما بعد الجزء الرئيس من جهاز “الموساد”. واشتملت الهيئة على ممثلين من جهازي الاستخبارات الآخرين، سواء على مستوى القيادات العليا أو القيادات الميدانية، وبرزت في تلك الآونة شخصية “رأوبين شيلواح” الذي نجح في تطوير مجموعة من العلاقات الخارجية السرية، كما نجح في نسج علاقات خاصة مع أجهزة مخابرات غربية ومن بينها المخابرات المركزية الأمريكية.
وفي عام 1952م تم تعيين “إيسار هرئيل” رئيسًا للموساد (كان يحمل اسم “المؤسسة المركزية للمخابرات” آنذاك)، وكان مسؤولًا أيضًا أمام “بن جوريون” عن رئيس الشاباك، أي إنه كان المسؤول المباشر عن جهازي المخابرات: (الموساد، والشاباك) في الفترة من 1952م وحتى 1963م.
تحول قسم المخابرات، في 28 ديسمبر 1953م إلى شعبة في هيئة أركان الجيش، التي تحولت إلى جهاز أمان (المخابرات العسكرية الإسرائيلية)، وتمثلت أهم الاعتبارات الأساسية وراء هذه الخطوة في طبيعة عمل هذه الهيئة المتعلقة بالمجال العسكري؛ ما يحتم ربطها مباشرة برئيس الأركان ووزير الدفاع، ومن ثم تأسس “أمان” كأكبر هيئة استخباراتية مركزية في إسرائيل في مجال جمع المعلومات والبحث الاستخباراتي، كما تعززت مكانته نتيجة للتطورات التي شهدها كونه هيئة كبيرة في مجال جمع المعلومات الاستخباراتية “التكنولوجية”. وظهرت في تلك الآونة أيضًا أنشطة “أمان” في مجال العمليات القتالية السرية، التي كان لها أيضًا أهدافًا سياسية، وتركزت على التسلل سرًا إلى مناطق العدو بوساطة مجموعة من المقاتلين أو العملاء اليهود؛ بغرض جمع معلومات استخباراتية أو القتال سرًا.
الفصل الثاني
واقع أجهزة المخابرات الإسرائيلية
بعد التطور السريع الذي مرت به أجهزة استخبارات الكيان، وما صاحبه من قصور في بعض المراحل، ونجاحات في مراحل أخرى، تم وضع رسم نهائي وواضح لتلك الأجهزة بما يحقق الأهداف التي أُنشئت من أجلها تلك الأجهزة، وبما يتناسب مع حجم التطور الهائل الذي شهده العالم في مجال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة.
تتعدد أجهزة المخابرات الإسرائيلية وتختلف فيما بينها؛ وَفْقً لنوعية المهام الملقاة على عاتقها، وحجم الدور الذي تقوم به، إضافة إلى طبيعة المؤسسة المنتمية إليها، سواء كانت عسكرية (الجيش)، أو سياسية (وزارة الخارجية)، أو أمنية (الشرطة).
وتشمل أجهزة المخابرات وجمع المعلومات في الكيان الصهيوني حاليًا خمسة أجهزة وهي:
جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان).
جهاز المعلومات الداخلية- الأمن العام (الشاباك).
جهاز المهام والعمليات الخارجية (الموساد).
مركز الأبحاث السياسية بوزارة الخارجية (مماد).
مخابرات الشرطة الإسرائيلية.
نوعية الإنتاج:
تختلف “نوعية” إنتاج كل جهاز استخباراتي إسرائيلي عن غيره، وفق المحددات التي يعمل في إطارها؛ إلا إنه يمكن التمييز بين ثلاث حزم أساسية لنوعية الإنتاج الاستخباراتي الإسرائيلي، في ضوء المهام التي تقوم بها؛ حيث تتمثل هذه النوعيات في:
1- المعلومات الاستخباراتية اللازمة لبلورة السياسات العامة واتخاذ القرارات المصيرية.
وذلك فيما يتعلق بالمستويات الاستراتيجية السياسية والعسكرية؛ حيثُ تقومُ المخابرات ببلورة الواقع السياسي والاستراتيجي أمام أصحاب القرار لمواجهة التهديدات المختلفة، لاسيما المتعلقة بحجم القدرات العسكرية للأعداء.
2- المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتفعيل تكتيكات القوات الأمنية والعسكرية.
وذلك مثلُ جمع معلومات دقيقة حول مواقع القيادة، وأماكن نصب الصواريخ للعدو، بشكل يسهل من قصفها، أو جمع معلومات دقيقة تمكن قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية من إحباط هجمات عدائية، واعتقال المتورطين فيها.
3- تنفيذ عمليات قتالية وإحباط الأعمال العدائية.
كتنفيذ هجمات سرية على الأسلحة غير التقليدية للعدو، وإحباط المؤامرات ضد الدولة، وإفشال الأعمال التجسسية للعدو.
ومن خلال هذه التقسيمات السابقة، يمكن تمييز العمل الاستخباراتي الإسرائيلي بتقسيمه إلى مستويين أساسيين، وهما:
أ- مهام استخباراتية “كلاسيكية”: وهي المهام التقليدية التي من المفترض أن تقوم بها أي أجهزة استخباراتية في العالم.
ب- مهام استخباراتية “فعالة”، بمعنى استخدام المخابرات كـ”مقاتل” مشارك في الحروب، وهي تلك الاستخبارات التي ترتبط بالاستخبارات التكتيكية والعملياتية.
كما تعد عملية “إعداد المعلومات الاستخباراتية الأمنية “القومية”، إحدى أهم نتاجات المخابرات الإسرائيلية؛ فمن المنوط بها إعداد معلومات استخباراتية قيمة، متعلقة بالمناخ الاستراتيجي المحيط بإسرائيل، وتقوم بتقديمها إلى المستوى السياسي من أجل بلورة القرارات واتخاذها في مجال الأمن والسياسات الخارجية، ومن المهم أن تتمحور هذه المعلومات حول المخاطر الآنية والمستقبلية المحيطة بإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، كما يجب ألا تتعرض هذه المعلومات للأوضاع الداخلية في إسرائيل.
وتعرض هذه التقديرات أمام الحكومة الإسرائيلية مرة واحدة في السنة على الأقل، وتعرف بـ”التقديرات السنوية للمخابرات الإسرائيلية”، في حين أن استحداث هذه التقديرات وما يتعلق بالقضايا المطروحة بها تطرح على رئيس الوزراء بشكل متتابع خلال السنة، سواء من خلال الوثائق المخابراتية، أو من خلال التقارير، أو من خلال وسائل أخرى بديلة.
هيكلية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية:
تجدر الإشارة فيما يتعلق بالهيكل التنظيمي والإداري لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن جهاز “أمان” يعد أكبر جهاز استخباراتي إسرائيلي من بين جميع الأجهزة الأخرى، كما أنه الأبرز في قوته من بين بقية الأجهزة في مجالات (التنصت) و(التقاط الصور الجوية)، و(البحث والمهام الخاصة).
أما جهازي الموساد والشاباك فلهما تميز أكبر في المجال البشري، أي (تجنيد العملاء وإجراء التحقيقات مع الجواسيس)، والعمليات الوقائية والتنفيذية الخاصة بهما، وفي حين أن الموساد يتسم بـ”ديناميكية” خاصة فيما يتعلق بالعمليات السرية خارج البلاد، فإن الشاباك يتميز بهذه الديناميكية في العمليات داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
وسنتناول في هذا المبحث كل جهاز من تلك الأجهزة بشيء من التفصيل، يتضمن نشأته، والمراحل التي مر بها، وأبرز مهامه، وأهم وحداته، وأقسامه.
المبحث الأول
جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”
هو جهاز تابع للهيئة العامة لأركان جيش الكيان، مهمته الأساسية العمل الأمني والاستخباري لصالح الجيش ومختلف الأجهزة الرسمية الإضافية العاملة في مجال الأمن والعلاقات الخارجية، وجوهر عمله البيئة الاستراتيجية المحيطة بالكيان، ويترأسه عادة ضابط برتبة جنرال، ولطالما كان نشاط هذا الجهاز في قطاع غزة والضفة الغربية محدودًا، ويبدو نشاطه في تجنيد العملاء داخل مناطق السلطة محدود جدًا نسبة لما يقوم به من دور كبير في عمليات التجسس الالكتروني، وعمليات التنصت، سواء في أراضي السلطة الفلسطينية أو الدول المحاذية لدولة الكيان.
يتبع جهاز الاستخبارات من الناحية الإدارية والتنظيمية مباشرة لرئيس هيئة الأركان، الذي يتبع بدوره لوزير الدفاع التابع في الأصل للحكومة.
أولًا- تأسيس جهاز “أمان”:
خلال النصف الأول من العام 1948م تمّ تكليف قائد شعبة العمليات في الجيش آنذاك “يغآل يدين” بتأسيس الاستخبارات العسكرية. وكانت تبعيتها في حينه لشعبة العمليات. وألقيت على عاتقها مسؤولية جمع المعلومات العسكرية؛ تمهيدًا لتنفيذ الهجمات العسكرية، وإحباط التجسس، والرقابة العسكرية على النشر، والتنصت.
بعد حرب 1948م، ساد اعتقادٌ لدى المنظرين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين، أن الاستخبارات هي خط الدفاع الأول عن إسرائيل. ففي ظل غياب عمقٍ استراتيجي جغرافي يفصل ساحات القتال عن التجمعات السكنية المدنية، يصبح الإنذار المبكر بحرب وشيكة أمرًا في غاية الأهمية.
وفي العام 1949م، في إطار إعادة هيكلة الاستخبارات العسكرية، تقرّر اعتبار الاستخبارات قسمًا منفصلًا داخل قسم العمليات، وتحويلها إلى قسم يتبع له ضباط الاستخبارات في الوحدات المختلفة كافة. وتمّ تحديد مهام الضباط، وأصبح رئيس الاستخبارات يقدّم تقاريره مباشرة إلى رئيس أركان الجيش، بدلًا من قائد قسم العمليات.
من دائرة استخبارات إلى شعبة استخبارات:
لم تتجاوزْ عمليةُ تنظيم الجيش الإسرائيلي في السنوات التي تلت إقامة دولة إسرائيل سلاحَ الاستخبارات، ففي كانون أول 1953م أعطيت دائرة الاستخبارات مكانة شعبة مستقلة في رئاسة الأركان بعد أن استُبْدِل بالبناءِ البريطاني للجيش الإسرائيلي البناءُ الفرنسيُّ المُكوَّنُ من أربع شعب، الذي يحتفظ بمكانة مستقلة للاستخبارات. وعشية تحويل دائرة الاستخبارات إلى شعبة في رئاسة الأركان لم يزد حجم قوات سلاح الاستخبارات عن ألف شخص؛ حيث خدمَ حوالي 200 ضابط وجندي في دائرة الاستخبارات في رئاسة الأركان العامة، وحوالي 600 شخص في وحدات السلاح المختلفة.
وقد شملت شعبة الاستخبارات العسكرية عدة أقسام في حينه، وهي:
1- قسم الجمع الذي كان مسؤولًا عن تشغيل وحدات الجمع في سلاح الاستخبارات وتوجيهها.
2- قسم البحث الذي كان يقسم إلى “مقاعد: سياسية وعسكرية وميدانية وفنية”.
3- قسم أمن الميدان المسؤول عن السرية في داخل الجيش.
4- قسم التخطيط والعمليات الخاصة.
ثانيًا- أبرز مهام جهاز “أمان”:
وتكمن المهام الأساسية لجهاز “أمان” في الآتي:
1- توفير المعلومات الأمنية والاستخبارية لقادة دولة الكيان والجيش، التي من شأنها تقدير قوة العدو، والتعرف على نقاط ضعفه وقوته، ومحاولة استكشاف أهدافه ونواياه تجاه دولة الكيان.
2- تقديم التحذيرات والإنذارات للمستويين: السياسي والعسكري في دولة الكيان من مغبة نشوب حروب، أو تنفيذ عمليات فدائية معادية للكيان، وإمدادهم بتقديرات: أمنية، وعسكرية، وسياسية بصورة دائمة.
3- الحرص على إمداد الجيش ووحداته بالمعلومات الاستخبارية التي تلزمه في ساحة المعركة؛ من أجل تقديم أفضل أداء من قبل مختلف الأسلحة ووحدات القتال.
4- تحليل المعلومات الاستخبارية وفحصها، ورفعها لصناع القرار؛ لتحسين مستوى فهمهم للواقع؛ لاتخاذ أنسب القرارات.
5- إبلاغ الجهات الرسمية في الدولة ذات الاختصاص بنوايا دول معادية الحصولَ على أسلحة غير تقليدية.
6- تنفيذ بعض المهام الاستخبارية الخاصة.
7- تطوير القدرات التكنولوجية في مجال جمع المعلومات من خلال الاختراق الالكتروني وتقنيات التجسس الحديثة.
8- تقديم المادة الإعلامية المناسبة للمراقب العسكري، التي تتعلق بطبيعة عمله، وفقًا للظروف القائمة.
9- دعم مجال الأمن المعلوماتي في الجيش الإسرائيلي
ثالثًا- أهمية جهاز أمان:
تبرز أهمية أمان من طبيعة المهام التي يقوم بها؛ لذا من الصعب على أي جهة أن تنكر الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية التي يوفرها “أمان”، وما يقوم به من جهد في مجال التحليل والتقييم للمعلومات الأمنية كذلك، وبالنظر إلى هذه المهام، يمكن القول إن الوصف المتعارف عليه لجهاز “أمان” لا يتوافق مع كينونته؛ إذ إنه يعد شعبة “شاذة” داخل الجيش؛ نظرًا لحجم المهام التنفيذية الكبيرة التي يقوم بها من خلال وحدات جمع المعلومات والبحث، إضافة للمهام التكنولوجية والتنفيذية الأخرى التي يقوم بها، وبالتالي فهو يشبه ذراعًا عسكريًّا (مثل: ذراع سلاح الجو)؛ ولكنه ذراع يعمل في مجال المعلومات، ويعد “أمان” بمساعدة أذرع استخباراتية أخرى “الدينامو” الأساسي داخل منظومة المخابرات الإسرائيلية فيما يتعلق باستخلاص التقديرات الاستخباراتية ووضعها؛ كونه الهيئة الوحيدة التي تقوم ببحث كل عناصر التقديرات الاستخباراتية؛ مما يؤهله للقيام بعملية “فلترة” لها، وتقديم تقدير استخباراتي قومي شامل، في حين أن الوحدات البحثية في الأجهزة الاستخباراتية الأخرى تقوم بوضع تقديرات استخباراتية في مجالات أخرى، غير متعلقة بما يقوم به “أمان”؛ إلا إنه في جزء منها يوجد ارتباط بين جميع المجالات البحثية في الأجهزة الاستخباراتية كافة.
رابعًا- البناء التنظيمي لجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”:
بعد التطور المتسارع الذي طرأ على أمان تنوعت الأقسام والوحدات داخله؛ ليتمكن من مواكبة المخاطر الأمنية المتزايدة؛ حيث تم إدخال تحديثات عديدة عليه، ويشمل جهاز الاستخبارات “أمان” حاليًا وحدات وأقسام عديدة تعمل في مجالات جمع المعلومات وبحثها وتحليلها، وفي مجال التطوير التكنولوجي، ومن أهم الإدارات والأقسام الاستخبارية التي تتبع مهنيًّا أو فنيًّا لجهاز الاستخبارات العسكرية ما يأتي:
1- دائرة البحوث:
وهي من أهم الدوائر في جهاز الاستخبارات العسكرية؛ حيث إنها تقوم برسم الصور الاستخبارية الكاملة، وتقدم تقارير عن مختلف الساحات بما فيها الساحة الدولية والساحات المحلية، ومهمتها الرئيسة رسمُ خريطة الخصومات، وتحديدُ الفرص والسيناريوهات التي تنتظر إسرائيل، ووضع بنية تحتية للرد التنفيذي (والسياسي) الإسرائيلي على السيناريوهات المتوقعة، وتقوم بتزويد التقييمات الاستخبارية الشاملة إلى المستوى السياسي، في إطار التقييم السنوي، وكذلك في الأحداث المعقدة والحروب، التي تتطلب تكاملًا بين مواضيع عديدة: (عسكرية، وسياسية، واقتصادية)، وتجاه جميع الدول والمنظمات المشاركة. فقط في وحدة البحث يتم إجراء بحث عميق تجاه جميع هذه المواضيع.
وتشمل دائرة البحوث خمسة قادة لساحات مركزية، وهي: الساحة الفلسطينية، والساحة اللبنانية، والساحة الشمالية–الشرقية: (سوريا، والعراق، وإيران)، وساحة دول المنطقة والقوى العظمى، وساحة أخيرة فنية مسؤولة عمليًّا عن كل العالم. ويرأس وحدة البحوث العميد “درور شلوم”؛ حيث تم تعيينه في الربع الأول من هذا العام خلفًا للعميد “ايلي بن مائير”.
2- دائرة المُخابرات البحرية Naval Intelligence Department:
ويرمز لها بالعبرية “أف أتش FH”، وتعدُّ الدائرة تابعة مهنيًا إلى جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) ويُديرها رئيسُ سلاح البحرية الإسرائيلي. وتعمل الدائرة على صياغة الصور، وتقديمها إلى أجهزة الاستخبارات الأخرى، وتُشارك في خلق صورة الوضع الاستخباراتي الشامل في مُجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، ومِن مهام الدائرة أيضًا توفير الإنذار ضد الأعمال الهجومية والحربية في البحر، وتقييم صور المخابرات العامة، والتنسيق والاتصال، وتدريب الموظفين في سلاح البحرية على مُختلف المجالات الاستخبارية.
3- وحدات المُخابرات القتالية Combat Intelligence Collection Corps:
أحدث سلك استخباراتي لجيش الاحتلال، تأسست في أبريل نيسان سنة 2000م؛ لجمع المعلومات الاستخباراتية والقتالية، وللمُحافظة على شبكات الرصد، ويديرها العميد “ايلي بولاك” منذ سنة 2009م.
وتتكون من وحدات عديدة، من بينها: كتيبة “النسر 414” التي تعمل على الحدود مع قطاع غزة، وكتيبة “النورس 869” التي تعمل على الحدود مع لبنان والحدود المصرية، وكتيبة “نيتسان 636” التي تعمل في الضفة الغربية. ويُعد الجهاز المسؤول الأول عن وحدات الاستخبارات من مستوى الكتيبة حتى القوة بأكملها، وهو تابع مهنيًا لجهاز الاستخبارات العسكرية.
4- وحدات الاستخبارات البرية The intelligence units:
وحدات استخباراتية تابعة للقيادات الإقليمية الأربعة للجيش: “الوسطى، والشمالية، والجنوبية، والجبهة الداخلية”، ومن مهامها جمع المعلومات وتهيئتها لجيش الاحتلال.
5- وحدة الرقيب العسكري الإسرائيلي Israeli Military Censor:
تعمل على نشر المعلومات بشأن الشبكة العسكرية وأمن الكيان العبري، ومُراقبة المعلومات الصادرة من وسائل الإعلام، وحذف أجزاء منها في كثير من الأحيان، وتقوم بجميع الأنشطة والإجراءات المضادة للحرب النفسية التي تمارسها أجهزة استخبارات معادية في السلم والحرب.
6- وحدة جمع المعلومات من المصادر المفتوحة (حتساب):
ويقوم عمل هذه الوحدة على متابعة المصادر العلنية للمعلومات، مثل: وسائل الإعلام المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنتديات الحوارية، وشبكة الانترنت بشكل عام، وتستنبط من خلالها المعلومات الاستخبارية وتجمعها.
(أحد جنود وحدة حتساب أثناء متابعته للمصادر العلنية)
7- وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال سايريت ماتكال Sayeret Matkal:
تأسست الوحدة سنة 1957م، تتبع لجهاز الاستخبارات العسكرية، ومن مهام الوحدة: جمع المعلومات الاستخبارية، والاستطلاع في عمق الأراضي المعادية؛ للحصول على المعلومات الاستراتيجية، ومُكافحة العمليات المُسلحة. يديرها قائد سري لم يكشف عن اسمه منذُ تعيينه سنة 2010م، إذ تخفي الوحدة أسماء مُديريها منذُ انتهاء فترة خدمة مديرها السابق العقيد “هرتزل ليفي” سنة 2004م، وتُعد الوحدة اليد الضاربة في مُجتمع الاستخبارات، وقد اشتهرت بالعديد من العمليات التي نفذتها، ومنها: تخريب محطة توليد الكهرباء والجسور في مصر سنة 1968م، وتخريب 14 طائرة عربية في مطار بيروت الدولي في لبنان سنة 1968م، وتخريب أسلاك الجهد العالي وهوائي للمراقبة والاستيلاء على رادار في مصر سنة 1969م، اغتيال قادة في منظمة التحرير، مثل: أبو يوسف النجار، وكمال العدوان، وخطف 5 ضباط مُخابرات سوريين سنة 1972م عندما ترأس الوحدة “ايهود باراك” في 1969م، ومحاولة قنص الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في حرب لبنان سنة 1982م، واغتيال القيادي الفلسطيني الراحل خليل الوزير أبو جهاد في تونس سنة 1988م، واختطاف الشيخ عبد الكريم عُبيد في لبنان سنة 1989م، واختطاف مصطفى الديراني في لبنان سنة 1994م، وجمع عينات من التربة السورية لقصف المفاعل النووي السوري سنة 2007م.
8- وحدة الحرب النفسية:
تم تشكيل هذه الوحدة لتخدم أهداف الجيش الإسرائيلي؛ وذلك بقيامها مهام استخبارية هجومية، تهدف إلى كَيِّ وَعْيِّ الخصم، وتثبيط معنوياته، ونشر الدعاية المضللة والإشاعات داخل صفوف من تصفهم إسرائيل بالأعداء، وصودق لها مؤخرًا بإضافة عشرات الكوادر الجديدة، وذلك في إطار تطبيق توصيات الحرب الأخيرة على قطاع غزة واستخلاصاتها، كما وقام وزير الدفاع السابق “موشي يعلون” بمنح الوحدة مكانة قسم، وجعل على رأسها ضابط استخبارات برتبة عقيد، وتخضع وحدة الحرب النفسية مباشرة لشعبة العمليات في هيئة الأركان؛ ولكن الموجه المهني فيه هو جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان).
9- فيالق الاستخبارات الإسرائيلية The Israeli Intelligence Corps:
تُعرف اختصارًا باسم “هامان Haman”، تابعة لِمُديرية الاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال، وقد جرى تأسيسها في سنة 1976م بعد هزيمة المُخابرات الإسرائيلية في حرب أكتوبر تشرين الأول سنة 1973م، يديرها العميد “ارئيل كارو” منذُ سنة 2009م.
وتعمل الفيالق على جمع المعلومات وتهيئتها لهيئة الأركان العامة والأجهزة الاستخبارية الأخرى، ويُشارك أفرادها في الاستخبارات المُضادة، وتقديم التقديرات العامة، وتحذير القيادات السياسية والعسكرية في الوقت الحقيقي للحرب، فضلًا عن كشف النشاطات المُضادة لإسرائيل.
تشمل الفيالق: فيلق الاستخبارات البشرية (504)، والوحدة “Unit 8200” المسؤولة عن اعتراض الشفرات وتحليلها.
وسأتحدث هنا بشيءٍ من التفصيل عن قدرات تلك الفيالق لأهميتها، وخطورة أعمالها، وأنشطتها الاستخبارية.
أ- فيلق الاستخبارات البشرية وحدة “504”:
إن الوحدة “504”، أو باسمها الحديث “فيلق الاستخبارات البشرية” من أكثر الوحدات سرية في الجيش الإسرائيلي، وهي من وحدات جهاز الاستخبارات التابع للجيش “أمان”، وقد تم تشكيلها لتعمل في المناطق الحدودية؛ بهدف تجنيد سكان الحدود في المناطق المختلفة، والتعرف على تطورات الأوضاع فيها.
تم تأسيس الوحدة “504” عام 1949م برئاسة “دافيد كارون”، وكانت تسمى في ذلك الوقت بـ”استخبارات 10″، ورقمها “154”، ويراوح نشاط الوحدة السري بين محورين، وهما: تجنيد واستعمال عملاء في أراضي الضفة الغربية وفي الدول المحاذية للكيان: (لبنان، ومصر، وسوريا)، والتحقيق مع الأسرى في الحياة العادية وفي الحرب، وتقاسم العمل مع جسمي جمع المعلومات الآخرين: الموساد، والشاباك جغرافيًا، فالموساد يعمل في أماكن أبعد، والشاباك في أماكن أقرب، وتعمل الوحدة 504 في الوسط، حيث إنها تشترك مع جهازي الشاباك والموساد في طريقة ووسيلة جمع المعلومات التي تعتمد بالدرجة الأولى على العنصر البشري “اليومنت”، بخلاف بقية وحدات “أمان” التي تعتمد على وسائل مختلفة.
يرأس هذه الوحدة ضابط برتبة عميد، ويُسَمّى الضباط العاملون في هذه الوحدة “كَتَميم”، أي “ضباط للمهمات الخاصة”؛ حيث يتم تأهيل هؤلاء الضباط في مساريْن بحسب المهام التي ذكرتُها سابقًا؛ حيث إن جزءًا من الضباط يُؤهَّل لمهام تشغيل العملاء، والجزء الآخر يُؤهل لمهام التحقيق مع الأسرى.
– مهام فيلق الاستخبارات البشرية “504”:
التحقيق مع الأسرى:
إن المادة الاستخبارية التي يجمعها المحققون من الأسرى بخلاف مستعملي العملاء، يتم الحصول عليها في أثناء القتال. ويكون معظم جهد الوحدة وقت القتال في مجال التحقيقات الميدانية؛ لأنه يصعب استعمال العملاء في هذه الأوقات من جهة، ولعظم حجم المعلومات وأهميتها التي تستخلص من الأسرى في أثناء القتال من جهة أخرى، ويبين أحد ضباط الوحدة، أن المعلومات التي يستخرجها المحققون من الأشخاص الذين يعتقلهم المقاتلون في مناطق المعارك يمكن أن تنقذ أرواحًا، وأن تغير خطط الهجوم أو الدفاع، وتتم التحقيقات في الميدان، في بيوت سيطر الجيش الإسرائيلي عليها تحت إطلاق النار أحيانًا، وإذا كان الأسير مطلعًا على معلومات استخبارية محتملة ينقل للتحقيق معه في داخل الكيان أو أماكن أكثر أمنًا.
تجنيد العملاء:
تعكف وحدة “504” على تجنيد العملاء واستخدامهم في نطاق عملها في المناطق الحدودية، التي تشترك فيها حدود دولة الكيان مع دول معادية، وأبرز المناطق التي نشطت فيها الوحدة في تجنيد العملاء هي جنوب لبنان؛ حيث كانت هذه الوحدة حتى وقت قريب تدير العملاء وتستخدمهم في جمع المعلومات عن حزب الله.
يقول رئيس فرع التحقيق في الوحدة: إنه لا بديل عن اللقاء الشخصي في عمل جمع المعلومات الاستخبارية. ويقول: إن استعمال العملاء والتحقيق مع الأسرى في الميدان هما أساسا جمع المعلومات البشرية السرية الميدانية، ويوجد الكثير من المجسات في المجال؛ لكن (اليومنت) هو الذي يعطي الصبغة والرائحة آخر الأمر، وأنت تستطيع بالاتصال بالشخص فقط أن تعرف أشياء ليس من المحتمل أن تعرفها بالجمع التقني للمعلومات، وكان هذا الإدراك موجودًا دائمًا.
ب- وحدة “8200”:
تعدُّ وحدة النخبة التكنولوجية المعروفة اختصارًا باسم الوحدة “8200” أشهر الوحدات الخاصة التي شكلها الجيش الإسرائيلي، وكثرت مثْل هذه الوحدات في مختلف أجهزة الاستخبارات على مستوى العالم، وتشكل أحدَ أهم نقاط التسلل الإسرائيلي إلى عالم التكنولوجية الرفيعة والمتطورة “هاي تيك”، وتقف وحدة “8200” في مقدمة خط الجبهة الالكترونية، وتعمل أيضًا على تزويد متخذي القرار في إسرائيل بالمعلومات القيمة التي يحتاجونها.
تنشغل الوحدة “8200” وتهتم بجمع المعلومات الالكترونية واللاسلكية، وقد أنشأ مؤسسوها الكثيرَ من الأقسام والوحدات الالكترونية الرديفة العاملة في مجال حماية المعلومات وشبكات الاتصال.
كان هدف هذه الوحدة في بداية تأسيسها هو تتبع المقاومة الفلسطينية وتحركات المقاومين، من خلال التنصت وتقنيات التجسس الالكتروني؛ إلا إن عملها تطور مع تطور وسائل التكنولوجيا في العالم والتوسع الذي يشهده في مجال التكنولوجيا الرقمية؛ حيث قامت إسرائيل باستقطاب العديد من المؤهلين في المجال المعلوماتي والرقمي، وضمتهم إلى صفوف هذه الوحدة، ومع تطور الوحدة علاوة على الاهتمام بالطلاب الإسرائيليين الذين لديهم قدرات خاصة في القرصنة والحوسبة، والاعتناء بهم حتى وصولهم إلى الوحدة والعمل فيها، أصبح خريجُ وحدة “8200” رديفًا لكلمة عبقري”، وأصبحت الخدمة في هذه الوحدة جوازَ سفرٍ في نظر الشباب الإسرائيلي؛ لكي يصبحوا من أصحاب الملايين؛ بسبب استيعابهم في شركات التقنيات الرائدة، أو بفعل قيامهم بتدشين شركات.
– أهمية الوحدة:
معظم التقارير الصادرة عن طبيعة العمل، والدور الذي تقوم به “وحدة 8200″، التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قد جعل إسرائيل ثاني أكبر دولة في مجال التنصت في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتوازي هذه الوحدة نظيرتَها في الولايات المتحدة الأمريكية “وكالة الأمن القومي”. وإن التقدم الهائل الذي حققته إسرائيل في مجال صناعة التقنيات المتقدمة قد وُظِّف بشكل كبير في تطوير عمليات التنصت التي تقوم بها الوحدة وتوسيعها.
– أبرز مهام هذه الوحدة:
التنصت على الهواتف، الفاكسات، والتسلل إلى الحواسيب، واعتراض الوسائط الرقمية، وحل الألغاز، وقتال السايبر، وسأقوم بتفصيل بعض هذه المهام لخطورتها.
التنصت:
تشرف وحدة “8200” على محطات تنصت عديدة، شمال فلسطين وجنوبها، ويعدُّ التنصت على أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية من المهام الأساسية للوحدة “8200”، فالهواتف الأرضية والنقالة، وأجهزة اللاسلكي يتم التنصت عليها بشكل دائم، الذي يساعد الوحدة على أداء مهمتها بشكل تام، ولا يقتصر التنصت في الوحدة “8200” على فلسطين والدول المجاورة فقط؛ بل يمتد لدول عديدة بعيدة جغرافيًا عن الكيان الصهيوني.
وتعمل وحدة “8200” بشكل وثيق مع وحدة “سييرت متكال”، الوحدة الخاصة الأكثر نخبوية في الجيش الإسرائيلي، التي تتبع مباشرة لرئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، وبالإضافة إلى تخصصها في تنفيذ عمليات الاغتيال التي تتم في العالم العربي، فإن “سييرت متكال” تلعب دورًا مركزيًّا في جمع المعلومات الاستخبارية عبر زرع أجهزة تنصت وتصوير، بناءً على تنسيق مسبق مع وحدة “8200”.
توجد أكبر قاعدة تجسس وتنصت على مستوى الشرق الأوسط شرق قطاع غزة، على بعد 16كيلو متر عند الحدود مع القطاع.
المتنصت:
وظيفة مهمة في وحدة “8200” وهي للذكور والإناث، تطلب مزيجًا من إتقان اللغة العربية، والقدرة على التحليل، والمتنصت أول من يتلقى المعلومة، وهو مسؤول عن تحديد قيمتها الاستخبارية، هل ستصبح معلومة استخباراتية أم لا. ويملك المتنصت الجيد طلاقة في اللغة العربية، ويؤدي وظيفة المتنصت في أجهزة استخبارات بلدان مختلفة حاملو الشهادات الجامعية؛ ولكن جيش الاحتلال الإسرائيلي هو الجيش الوحيد في العالم الذي يدرب جنودًا صغار السن لتأدية هذه الوظيفة، ضمن جهاز استخباراتي عالي التكنولوجيا.
إن قدرات هذه الوحدة المتقدمة في مجال التنصت قديمة، ودلت الوثائق الجديدة التي كشف عنها مخزن الأرشيف الرسمي الإسرائيلي مؤخرًا بمناسبة مرور أربعين عامًا على حرب 1973م، أن الوحدة مسؤولة عمَّا بات يعرف بـ”الوسائل الخاصة”، التي تتضمن زرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية، خصوصًا البلدان التي تكون في حالة عداء مع إسرائيل.
قدرات الوحدة على التنصت في حرب 1967م
استطاعت الوحدة في يوم 6 يونيو 1967م وهو اليوم الثاني للحرب التنصتَ على المحادثة التي دارت بين جمال عبد الناصر والملك حسين، وفي هذه المحادثة كان الرئيس المصري يخادعُ الملكَ الأردني، ويدعى بأن سلاح الجو المصري يضرب منذ الصباح المطارات الإسرائيلية، على الرغم من أنه يعلم بأن سلاح الجو المصري قد تم تصفيته نهائيًّا قبل ذلك بيوم في إطار “حملة مُوكِيد” التي افتتحت هذه الحرب، وقد فعل عبد الناصر ذلك؛ ليدفع الملك حسين في زيادة تدخله في هذه الحرب، وربما أيضًا للتخفيف عن المصريين، في هذه اللحظة كان العالم كله بما في ذلك اليهود لا يعرفون –بعد- حجم النجاح العام في البر والجو للجيش الإسرائيلي؛ بسبب طلب وزير الحرب “موشي ديان” آنذاك بالتعتيم على أخبار المعركة وإحاطتها بالضبابية.
وقد اقترح عبد الناصر في مكالمته أن يعلن هو والملك حسين في صباح اليوم التالي أن الهجمات على مطارات مصر والأردن، شاركت فيها طائرات أمريكية وبريطانية، انطلقت من حاملات الطائرات في شرق البحر المتوسط.
وقد تم بث نص هذه المكالمة في راديو “موجات الجيش الإسرائيلي” بناءً على قرار “موشي ديان” على الرغم من المعارضة الشديدة لرئيس قسم الاستخبارات “أمان” آنذاك اللواء “أهارون يريف”، الذي خشي أن يؤدي نشر هذا التسجيل إلى كشف المصادر، وطرق عمل المخابرات الإسرائيلية، وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها “إسرائيل” مكالمة سجلتها بنفسها.
الاختراق الالكتروني (هيئة السايبر):
عام 2009م حدد رئيس هيئة الأركان في حينها الجنرال “غابي اشكنازي” الفضاءَ السبراني أنه “فضاء حرب استراتيجي وعملياتي هام لإسرائيل”، وأنشئت لاحقًا هيئة السايبر التابعة للجيش الإسرائيلي؛ لتشكل مكتب تنسيق تابعًا لهيئة الأركان العامة، مهمته التنسيق، وتوجيه أنشطة الجيش في المجال السبراني، وأنشئ المكتب داخل الوحدة “8200”.
وقتال السايبر هو سلسلة من أعمال يقوم بها أفراد، منظمات، دول، أو منظمات فوق دولية، هدفها مهاجمة أو إلحاق ضرر بحواسيب الخصم ومنظومات المعلومات لديه، ويمكن أن يكون لمثل هذا الهجوم هدفان أساسيان: الحصول على معلومات وإلحاق ضرر بالحواسيب ومنظومات المعلومات، يحدث رد فعل متسلسل ويمس بالبنى التحتية الاستراتيجية أو غيرها.
وتمثل هيئة السايبر في وحدة “8200” الأنشطة الهجومية، بينما تمثل هيئة السايبر في الشاباك الأعمالَ والأنشطةَ الدفاعية الهادفة للتحصين ومنع هجمات السايبر المعادية.
وتُعدُّ -حسب منشورات في الولايات المتحدة- الجهود المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل للمس بالبرنامج النووي الإيراني مثالًا على هذا القتال،. وذروة هذه الجهود، على الأقل، حسب المنشورات، كان برنامج فيروس فتاك حَظِي بلقب “ستوكسنت”، أدخل إلى منظومات حواسيب موقع لتخصيب اليورانيوم في “ناتانز” في إيران، وحسب ما نشر في “نيويورك تايمز” في 2010م، كان البرنامج والحملة مشروعًا مشتركًا للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية.
نسبت الحملة في الجانب الأمريكي إلى الـ NSA، وفي الجانب الإسرائيلي إلى الموساد. لترأس “مئير داغان” الموساد على مدى ثماني سنوات، الذي كلفه رئيسا الوزراء “ارئيل شارون” و”ايهود أولمرت” لتنسيق الجهود الإسرائيلية؛ لإحباط وتشويش وإبطاء النووي الإيراني؛ ولكن قبل نحو سنة بدأت تنكشف تفاصيل أخرى، ومن الوثائق التي سربها موظف الـ NSA “ادوارد سنودن”، تبين أن الجهة في الجانب الإسرائيلي التي كانت مسؤولة عن الفيروس هي وحدة “8200”، وحسب بعض وثائق “سنودن”، يجري بين الوحدتين تعاون وثيق للغاية، نص عليه في اتفاق وقع قبل بضع سنوات وعمق العلاقة بينهما. وقد ازداد التعاون في العقد الأخير.
ج- شعبة المعلومات الضوئية وحدة “9900”:
تختص “شعبة المعلومات الضوئية” المعروفة باسم الوحدة رقم “9900” بتحليل الصور، ووضع الخرائط والاستخبارات القائمة على معلومات ضوئية متوقعة.
وتشمل الوحدة “9900” العوالم الجغرافية، والضوئية القائمة في جهاز الاستخبارات التابع للجيش الإسرائيلي “أمان”؛ لذلك تضم عدة أقسام متخصصة في مجال عملها، وتعمل أيضًا في مجال خلق حالة من “تراكم التكنولوجيا” كما قال قائد هذه الوحدة.
ويخدم في الوحدة المذكورة مئات الجنود، وبقيت هذه الوحدة طيلة السنوات الماضية بعيدة تقريبًا عن أعين الإعلام والصحافة مختفية في ظلال المنطقة الرمادية الواقعة بين المعلوم والسري، ولم تكشف حتى اليوم النقاب سوى عن النذر اليسير من نشاطاتها، وطرائق عملها، وتعدُّ بالنسبة للعاملين في مجال جمع المعلومات ومجالات التكنولوجيا والأجسام القيادية المتخصصة عالمًا مصغرًا قائمًا بذاته.
ويختص هذا العالم بجمع المعلومات الضوئية القادمة من مصادر متنوعة، مثل: الأقمار الصناعية، وطائرات المراقبة، والاستشعار، إضافة إلى المعلومات الظاهرة والمعروفة للجميع “المنشورة”؛ ليقوم بعدها بنقل وتحويل رؤيته الاستخبارية وتنبؤاته لزبائنها المتمثلين بمتخذي القرارات في إسرائيل والقوات العاملة في الميدان.
وتتكون الوحدة “9900” من عدة وحدات وأقسام، وهي كالآتي:
1- مركز “المعلومات المتخصص”:
ويعنى بدراسة المعلومات وتحليلها، وجمع المعلومات الميدانية؛ لتشكيل صورة تنفيذية واعية ومدركة، تشمل أعمال تحليل محاور المواصلات، وجمع معطيات ميدانية، والخروج بفهم وإدراك جوهري لطبيعة التهديدات، فعلى سبيل المثال يعرف “محللو” الوحدة كيفية تشخيص أنواع الوسائل القتالية من خلال الصور الجوية.
وتصل المعلومات التي تخضع للتحليل عبر مجسات فضائية، ونقاط رقابة أرضية، ومجسات جوية داخل الطائرات التي تعمل بنظم المعلومات الجغرافية ” GIS”، فيما يتم استخلاص جزء كبير من المعلومات من خلال دراسة وتحليل معلومات غير سرية ومكشوفة.
2- وحدة “الخرائط وتحليل المعلومات”:
وهي متخصصة برسم الخرائط الخاصة بالعمليات التنفيذية، وبقية احتياجات الجيش.
3- وحدة “الأقمار الصناعية”:
وهي مسؤولة عن أقمار التجسس الاصطناعية، وتستخدم جميع إمكانيات هذه الأقمار ووظائفها، وتسخرها لخدمة الأقسام والجهات التي تحتاج إلى معلومات فورية، تبدأ من لحظة إطلاق النار أو الصواريخ.
مشروع نبني العوالم وقف هذا الاعتبار المتمثل “بالرد على العدو” وراء واحدًا من التطويرات المركزية التي شهدتها الوحدة في الفترة الأخيرة، وهو تطوير منحها جائزة من رئيس “أمان” لعام 2014م، وهي الجائزة الأولى التي تمنح بفضل “الرؤيا والإنجاز”.
وأطلق على المشروع اسم “نبني العوالم”، ويقوم على رؤية ربط عالم الخرائط، وتحليل المعلومات، وإنتاج نموذج يسمح باستخدام نظارات واقعية من طبقات، مثل: “نظارة غوغل”؛ وذلك بهدف تزويد القوات الميدانية بمعلومات استخبارية في الوقت الحقيقي على خلفية صورة من الواقع الميداني، ما يسمح للقوة العسكرية على سبيل المثال برؤية ما يوجد داخل مبنى أو منزل، ويتم تحديد الجنود بإشارة معينة، والعدو بإشارة أخرى؛ للتمييز بينهما، كما يمكن للجنود تلقي أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بطبيعة المنطقة؛ لكن هذه التكنولوجيا لم تنضج حتى الآن؛ ولكنها تسمح حاليًا للجنود بالاستعداد قبل الخروج لتنفيذ عملية، وقبل وصولهم إلى الميدان.
يُعدُّ جهاز “أمان” هيئة عسكرية، تقدم خِدْمات وطنية استخباراتية، وتتمثل صلاحية وجوده الأساسية في مساعدة الجيش الإسرائيلي في تنفيذ مهامه؛ إلا إنه بفضل قدراته الكبيرة في مجال جمع المعلومات، فإنه يقوم بتنفيذ مهام وطنية خارج إطار الجيش؛ لمساعدة المستوييْن: السياسي، والأمني في إسرائيل للقيام بمهامهما.
المبحث الثاني
جهاز المخابرات العامة “الشباك”
أولًا- إنشاء جهاز الأمن العام:
لقد تم يوم 18 فبراير/ شباط 1949م إضفاء صفة الرسمية على “جهاز الأمن” (وإنْ استمر التكتّم على وجوده حتى عام 1957م)، ويعدُّ جهاز الشاباك جزءًا مهمًّا من المنظومة الأمنية الإسرائيلية، ويتبع مباشرة لسلطة وأوامر رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحددت مهامه الرسمية تحت عنوان واسع وهو “حماية الدولة من المؤامرات والتآمر الخارجي، وحماية أمنها الداخلي”.
ثانيًا- مهام جهاز الأمن العام:
وكانت المهام التي كُلف بها الجهاز عند تأسيسها هي كالآتي:
مكافحة التجسس الذي تمارسه قوى خارجية.
مكافحة التجسس والمؤامرات السياسية.
المسؤولية عن حماية أمن المؤسسات، والمنشآت الحيوية للدولة، وممثلياتها في الخارج.
وكان جهاز الأمن العام (الشاباك) منتشرًا في جميع أنحاء البلاد، وعمل فيه بضع مئات من المستخدمين، ومنهم: ضباط استخبارات ميدانيون، ومحققون، ورجال عمليات، ومتنصّتون، ومحللون للمعلومات الاستخبارية، وخبراء التكنولوجيا، وأفراد الإدارة، وضباط أمن وحراس. وقد تمحورت نشاطات جهاز الأمن العام خلال عقدَي الخمسينيات والستينيات حول إحباط المخططات الإرهابية، والمؤامرات السياسية في الوسط اليهودي، والتصدي لمحاولات التجسس الأوروبي الشرقي والعربي، ودعم الحكم العسكري -الذي كان مفروضًا آنذاك على المواطنين العرب في إسرائيل-.
يتركز عمل جهاز الأمن العام في الحفاظ على أمن دولة الكيان، وحماية مؤسساتها من أي تهديد معادٍ، أو أعمال تخريب، أو تجسس؛ تؤدي إلى كشف أسرار الدولة، كما يقوم بالحفاظ على المصالح الرسمية لدولة الكيان، لا سيما الحيوية، منها وكل ما يتعلق بالأمن القومي للكيان، وَفقًا لما حددته القوانين الحكومية.
وتتلخص أهم الواجبات والمهام الأساسية فيه بالآتي:
أ- إحباط أي عمل مقاوم أو معادٍ يهدف إلى المس بأمن الكيان ومؤسساته المختلفة.
ب- جمع المعلومات وتحليلها بغرض تنفيذ المهام الموصى بها لخدمة مصالح الكيان.
ت- توفير الحماية للشخصيات المهمة في دولة الكيان.
ث- توفير الإجراءات اللازمة لحماية الجهات التي تحددها الحكومة.
ج- المراقبة والحماية: مراقبة الإجراءات الأمنية المتعلقة بالمنشآت الاستراتيجية في الدولة، مثل: طائرات الركاب، والمطارات، والسفارات الإسرائيلية في الخارج، وحماية المعلومات الأمنية والسياسية.
ح- الموافقة الأمنية: منح الموظفين العموميين والعاملين في القطاع العام التصنيف الأمني؛ استنادًا لقرارات الحكومة المتعلقة بكل وظيفة وشخصية.
خ- تجنيد مصادر المعلومات كافة وتشغيلها، سواء من خلال العناصر البشرية، أو من خلال وسائل التكنولوجيا المختلفة؛ بهدف الحفاظ على أمن الكيان.
ويتكون جهاز الشاباك من مناطق عديدة، تنقسم إلى ثلاث مناطق:
1- منطقة القدس ويهودا والسامرة: وهي أكبر منطقة في جهاز الشاباك، ومتخصصة بإحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من المناطق المذكورة.
2- المنطقة الشمالية: وهي مسؤولة عن مكافحة العمليات السرية والتنظيمات السرية المعادية في المنطقة، وتسلَّمَ الشاباكُ مسؤوليةَ منطقة لبنان بالتعاون مع جهات استخبارية أخرى خلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م.
3- المنطقة الجنوبية: وهي ثاني أكبر منطقة في الشاباك وتقع قيادتها في مدينة عسقلان، ومسؤولة ضمن أشياء كثيرة عن إحباط العمليات الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة.
ثالثًا- أقسام جهاز الشاباك:
ويضم جهاز الشاباك أقسام متخصصة عديدة، وهي:
القسم العربي: وهو أكبر أقسام الشاباك، وهو مسؤول عن اكتشاف خلايا ومنظمات معادية داخل المجتمع العربي في إسرائيل.
قسم مكافحة التجسس ومنع الاختراقات: ويعرف أيضًا باسم القسم اليهودي أو القسم غير العربي، وتراجع حجم هذا القسم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؛ كونه متخصصًا بمكافحة التجسس اليهودي عمومًا، وخلال الحرب الباردة خصوصًا.
قسم الحماية: ويضم الوحدة الرسمية لحماية الشخصيات والوفود، والمسؤولة عن حماية الشخصيات، والمطارات، وطائرات الركاب، والسفارات الإسرائيلية.
قسم التحقيقات: مسؤول عن التحقيق مع المعتقلين داخل أقبية التحقيق الخاصة بالجهاز.
القسم التكنولوجي: مسؤول عن تطوير وسائل تكنولوجيا لمكافحة “الإرهاب”، وجمع المعلومات.
قسم الهيئة الحكومية لحماية المعلومات: والمعروفة اختصارًا باسم “رام”، وأقيمت بناء على قرار حكومي صدر عام 2002م، وترتبط مباشرة بجهاز الشاباك، وتمتلك صلاحية توجيه الأوامر والتعليمات لهيئات وجهات تمتلك منظومات معلوماتية حساسة، مثل: مكتب رئيس الحكومة، ووزارة المالية، ووزارة الداخلية، وبنك إسرائيل.
يتبين لنا من خلال عرض بعض مهام جهاز الشباك أنها تتركز على الصعيد القومي لدولة الكيان وليس على قطاعات الداخلية فحسب، كما يمكننا من خلال التمعن بالمهام السابقة معرفة القدرات البارعة التي يتمتع بها الشباك في مجال جمع المعلومات، وتنفيذ المهام التي تساعد أمن الكيان وتدعمه.
رابعًا- ضباط الشاباك ومنسقوه:
يقوم الشاباك ويستند أساسًا على الأكتاف العريضة “للمنسقين”، المنشغلين طيلة وقتهم في تجنيد العملاء وتشغيلهم، ورسم الصورة الاستخبارية الكاملة، المكونة من حجم كبير من المعلومات.
هناك مقولة سائدة لدى “منسقي” الشاباك، وهم المسؤولون عن تجنيد وتشغيل العملاء والجواسيس في الضفة الغربية وقطاع غزة، تقول: “إذا أتقنت يومًا اللغة العربية فاعلم بأنك قد أصبحت منسقَ شاباك جيدًا، وأنهيت آخر مراحل التدريب والتأهيل”، ويشكل “المنسقون” عيون إسرائيل في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وغور الأردن، والحدود المصرية.
إن الإعداد المهني لمنسقي الشاباك ومشغلي العملاء والجواسيس يمر بمراحل عديدة، تبدأ بترشيحهم وتوزيعهم على مختلف الأعمال والأقسام بحسب قدراتهم ومجالات إبداعهم؛ وبسبب أهمية أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات لدى دولة الكيان، فإنها تهتم باستثمار مختلف مقدرات الدولة وتوظيفها في خدمة أجهزة الاستخبارات، سواء على صعيد الإعداد، أو توفير ما يلزم من إمكانيات؛ حيث يخضع الملتحقون بالشاباك لدورات تدريبية وتأهيلية مرهقة جدًا ومتقدمة، من بينها دورات في علم النفس، وتبدأ مراحل تعليمهم داخل معهد تابع لمدرسة (ألسن) للشاباك، المُقام منذ 45 عامًا، وفيه يتعرفون على ثقافة العرب جيدًا، من أمثال وحكم وما شابه؛ لكي يستخدموها مع العرب خلال تجنيدهم للعمل لصالح الشاباك.
تبدأ المرحلة الأولى في المعهد بتكثيف تعلم اللغة العربية، ويستطيع المتدرب في نهايتها إدارةَ حوار باللغة العربية مع رجل أعمال عربي، أو مع مزارع بسيط.
أما في المرحلة الثانية من التأهيل التي تستمر عشرة شهور، فيتم توزيعهم على مناطق مختلفة بمرافقة معلم، ويتم منح المتدرب لقبًا ليتمكن من إدارة محادثاته مع الجواسيس والعملاء الآخرين، وكذلك داخل جهاز الشاباك نفسه، وفي الأغلب تكون الألقاب عربية، ويصحبهم مدرب إرشادي ليساعدهم على فهم المنطقة والتغلب على تحدياتها، فكل عنصر يرافقه معلم خاص لتعليمه الثقافة العربية والإسلامية، إلى جانب ذلك يُطالب المتدرب باحترام الدين الإسلامي ومراعاة الثقافة الإسلامية؛ حتى يستطيع التأثير على من يريد تجنيده، ويتعلمون في ذلك المعهد اللغة العربية بجميع لكناتها، كما يتعلمون لغات أخرى متعددة، بالإضافة إلى تعلم علوم الشرق والقرآن الكريم.
وأخيرًا فإنه وعلى الرغم من أن “الشاباك”، هو أصغر الأجهزة الاستخبارية في دولة إسرائيل؛ إلا إنه يعد أكثر الأجهزة الأمنية حضورًا وتأثيرًا على عملية صنع القرار السياسي والعسكري، ولا يمكن مقارنة تأثيره الطاغي بتأثير أي جهاز أمني آخر في إسرائيل، خاصة عندما يتعلق الأمر في منطقة اختصاصه، سواء كان في قطاع غزة، أو الضفة الغربية، أو الداخل الفلسطيني.
ويوصف “الشاباك” بأنه هيئة أمنية قومية مستقلة بذاتها، ويتشابه مع الجيش الإسرائيلي في كونه مسؤولًا عن الحفاظ على أمن الدولة في مواجهة التهديدات السرية؛ إذ إن أساس أنشطته هي “السرية”، وعلى هذا الأساس فإنه يعد هيئة استخباراتية قومية؛ نظرًا لامتلاكه قدرات في مجال جمع المعلومات، والبحث، والعمليات الاستخبارية التي تساعد معظم أجهزة المخابرات الإسرائيلية الأخرى.
المبحث الثالث
جهاز استخبارات المهام الخارجية “الموساد”
يعد الموساد هيئة استخباراتية قومية، ويختلف عن “أمان” في كونه – أي الموساد- هيئة مستقلة بذاتها، ويختلف عن “الشاباك” في كون مهامه ليس بها مسؤوليات محددة فيما يتعلق بالأمن القومي؛ ولكن تتمثل مسؤوليته في كونه ذراعَ عمل سري خارج البلاد، وتنفيذ مهام تلقى على عاتقه من جانب رئيس الوزراء مباشرة. وتسهم قدرات الموساد المختلفة في عمل أجهزة المخابرات الإسرائيلية الأخرى.
أولًا- التأسيس:
تعود البدايات الأولى لتأسيس جهاز الأمن الخارجي الإسرائيلي، ويطلق عليه اختصارًا اسم “الموساد”، إلى العام 1951م، بقرار صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، “دافيد بن غوريون”، ليكون بمثابة ذراع استخبارات رئيس ضمن أجهزة الاستخبارات السرية المتعددة، الذي يعنى بجمع المعلومات، وإجراء البحوث، وتنفيذ المهام الخاصة والاغتيالات، وعلى الرغم من أن دور الموساد محدودٌ وغير مباشر في العمل الاستخباري في الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصًا، والأراضي الفلسطينية عمومًا؛ إلا إن ساحات عمله خارج حدود الدولة واسعة وغير محدودة. ويتبع جهاز الموساد بصورة كاملة لرئيس الحكومة.
ثانيًا- مهام جهاز الموساد:
وتتركز أبرز مهام جهاز الموساد في الآتي:
1- إحباط أي محاولة للحصول على أسلحة غير تقليدية لدى الدول المعادية.
2- إحباط العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية في مختلف أنحاء العالم.
3- القيام بمهمة جمع المعلومات السرية خارج حدود الدولة.
4- إدارة الشركات الأمنية والخاصة، التي تتبع بشكل سري للموساد، وتنفذ سياساته، وتسهل مهامه كشركة “G4S”، وشركة “بنيتل إنترناشيونال سكيوريتي”، وهي شركات تحظى بتغطية قانونية دولية، وتعمل في العديد من الدول.
5- توفير المعلومات على جميع المستويات: الاستراتيجية، والسياسية، والعملياتية.
6- تطوير العلاقات السرية الخاصة، السياسية وغيرها خارج حدود الكيان.
7- تنفيذ مهام خاصة خارج حدود الكيان.
8- العمل على جلب اليهود من خارج حدود دولة الكيان، وبذل كل الجهود لذلك، بالتنسيق مع مختلف المؤسسات ذات الصلة.
ثالثًا- أقسام جهاز الموساد ووحداته:
وهناك أقسام ووحدات عديدة تعمل داخل جهاز الموساد، أهمها:
1- قسم المعلومات: ويتولى جمعَ المعلومات واستقراءها وتحليلها، ووضع الاستنتاجات بشأنها.
2- قسم العمليات: ويتولى وضع خطط العمليات الخاصة بأعمال: التخريب، والخطف، والاغتيال.
3- قسم الحرب النفسية: ويشرف على خطط العمليات الخاصة بالحرب النفسية وتنفيذها، مستعينًا بجهود القسميْن السابقيْن عن طريق نشر الفكرة الصهيونية.
4- وحدة النفوذ:
وهو تدريب عناصر من جهاز الموساد نفسه، ومن عملائه؛ لاختراق العدو، وتنفيذ المهمات الموكلة إليهم، ومن أبرز النفوذيين الذين اخترقوا البلاد العربية هو “إيلي كوهين” المولود في مصر الإسكندرية 1924م؛ حيث أرسله الموساد إلى سوريا باسم “كامل أمين ثابت” سنة 1962م؛ من أجل عقد صداقات مع ذوي النفوذ في المجتمع السوري من أجل أخذ المعلومات الكافية حول القوات السورية والمواقع الحدودية والتسليح الجديد، وبعض المهام الأخرى، فعقد “كوهين” صداقات وثيقة مع “سالم سيف” مذيع الراديو، واللواء “أمين الحافظ”، وعدد كبير في هيئة أركان الجيش السوري، فتمكن من الحصول على الخطط السورية والمصرية، وحصل على معلومات حول شراء أسلحة من الروس، ومعلومات تفصيلية عن المواقع السوريةـ وأرسلها إلى إسرائيل ثم انكشف كوهين وأعدم شنقًا في دمشق سنة 1965م.
5- وحدة التقنيات:
تهتم المخابرات الصهيونية بالأجهزة الحديثة وإدخالها في هذا القسم؛ من أجل استعمالها في المهمات، مثل: أجهزة التنصت، وأجهزة الكمبيوتر، وأجهزة التصوير الدقيقة والتزوير، ويتضمن هذا القسم أيضًا التزوير، والتصوير، والشيفرة، وأجهزة الاتصالات، ويتم تدريب العملاء والجواسيس على تلك الوسائل.
6- وحدة التدريب والتخطيط:
يخضع العاملون في الموساد وبعض العملاء إلى دورات تدريبية خاصة من خلال مدارس تدريب يُعطى فيها الدروس النظرية والعملية، ويرفع مستوى العاملين في هذا الجهاز، الذين سوف ينفّذون مهمات معيّنة، بالإضافة إلى التخطيط الجيد الذي له دور كبير، خصوصًا في نجاح العمليات، مع مراعاة التفاصيل غير المتوقعة، مع ترك الحرية لقائد العملية في اتخاذ التعديلات التي يقتضيها الموقف، ويمكن الاستعانة بالخرائط ذات المقياس الكبير، والنماذج المجسمة لمسرح العملية، حتى يعرف القائمون في التنفيذ واجباتهم بالتفصيل.
7- وحدة مكافحة التجسّس:
مهمتها كشف النفوذيين الذين يحاولون اختراق أجهزة المخابرات، مثلما حصل لرجل المخابرات المصري رأفت الهجّان، حيث فشلت أجهزة الاستخبارات في كشفه، وتمكن من دخول الكيان الصهيوني على أنه رجل أعمال، وتغلغل في عمق الكيان: الأمني، والسياسي، والعسكري لإسرائيل.
ومما تقدم فإن جهاز الموساد يمكن تصنيفه على أنه جهاز أمني يقدم خِدْمات قومية ثمينة لدولة الكيان، وهو بذلك يختلف عن جهاز “أمان” الذي يعدُّ جزءًا رئيسًا من أجهزة الجيش، فجهاز الموساد جهاز أمني مستقل عن سواه من الأجهزة، كما يختلف عن جهاز الشباك في عدم تبعيته المباشرة لجسم سياسي معين؛ حيث تُنفذُ جميع مهامه الأمنية والخاصة خارج حدود دولة الكيان، وبالتالي تقتصر تبعيته على مكتب رئيس الحكومة فقط دون سواه من الساسة في دولة الكيان
المبحث الرابع
فرع الاستخبارات في الشرطة الإسرائيلية
في أعقاب الحرب على العراق سنة 2003م، أوصت اللجنة الأمنية الإسرائيلية بإعادة هيكلة الأجهزة الاستخبارية، وتوزيع العمليات عليها، فكان من مهام فرع الاستخبارات في الشرطة الإسرائيلية جمع المعلومات وتحليلها، والعمل بصورة مكثفة في المناطق المُضطربة مع حدود الضفة الغربية، فضلًا عن دوره الرئيس في” مُكافحة الأنشطة المعادية”، وتنفيذ أهداف الشرطة في مكافحة الجريمة وحماية النظام العام؛ حيث يعد فرع استخبارات الشرطة -أو كما يسميه بعضهم “مباحث الشرطة”- مسؤولًا عن بلورة صورة استخبارية كاملة، وترفع إلى هيئة الشرطة، وبذلك فإنها تلعب دورًا بارزًا في إحباط وكشف النشاطات الأمنية والأعمال الجنائية.
أولًا- أقسام فرع استخبارات الشرطة الإسرائيلية:
ويشمل فرع استخبارات الشرطة داخل الشرطة الإسرائيلية العديد من الأقسام، أهمها:
1- قسم الأبحاث:
يحمل مسؤولية إعداد صورة الاستخبارات وتوزيعها، وتقديرات الاستخبارات والتوقعات المستقبلية في مجال الإجرام، والأمن اليومي والنظام العام. كما يعمل في البحث الاستراتيجي التطبيقي، الذي يهدف إلى التشخيص، والإشارة إلى التوجهات، والعثور على التهديدات الأساسية التي تواجه الشرطة، من خلال توجيه التجميع لردم فجوات في المعلومات.
تستعمل بنية البحث التحتية في تنظيم قاعدة لتعيين السياسة في مجال بناء القوات، وتخصيص الميزانيات مقابل التفضيل والنشاطات العملية اليومية.
2- مركز الأمان – قسم الاستخبارات:
وظيفة مركز الأمان (قسم الاستخبارات) تحضير صورة استخبارية يومية في زمن حقيقي في مجالات النشاط التخريبي المعادي والنظام العام، بما في ذلك توزيع تقرير يومي لتلخيص أحداث اليوم الماضي والتوقعات الاستخبارية للزمن القريب، ويتحمل القسم المهامَ الخاصة والمسؤولية الكاملة لتطوير وإدارة العلاقات الاستخبارية الخارجية لشرطة إسرائيل مع سلطات وعناصر تطبيق القانون الأجنبية، والتنسيق الإداري في المجال الخارجي لوحدات الشرطة الإسرائيلية الأخرى، والتنسيق العملي مع جهات في خارج البلاد وشرطة إسرائيل في مجال عمليات الكشف والتحقيق، كذلك يحمل مسؤولية بلورة سياسة تبييض الأموال، وتوجيهات العمل لجهاز ضباط الحجز في الألوية وتنفيد التعميمات في الممرات الحدودية.
3- قسم الجمع والتكنولوجيا
يتحمل المسؤولية القيادية في تشغيل وسائل الجمع، والمصادر، والعملاء، والتنصت السري، والمراقبة الفنية، والشرطة السرية، والمتابعة، والاستخبارات ومصلحة السجون، كما يقوم بالتوجيه المهني لوحدات الشرطة السرية والجمع، وتطور وسائل تكنولوجية وأساليب عمل متطورة في جهاز الشرطة السرية والجمع.
المبحث الخامس
مركز الأبحاث السياسة “مماد”
مركز البحوث السياسية The Centre for Political Research: يُعرف اختصارًا باسم ” “ACPR، ويُعدُّ المركز فرعَ المُخابرات في وزارة الخارجية الإسرائيلية، ويعمل في مجالات تقدير المواقف السياسية فقط في ضوء ما يصله من معلومات: أمنية واستخبارية وسياسية من المكاتب والقنصليات التابعة له في مختلف عواصم العالم، وهو جهاز صغير نسبيًّا إذا ما تم قياسه بمركز الأبحاث التابعة لجهازي: الموساد وأمان، ويتم الاستفادة من أبحاثه في مجال العمل الدبلوماسي الذي تضطلع به وزارة الخارجية، ومع ذلك فإن العاملين فيه وممثليه يشاركون في أحيان كثيرة في اجتماعات الحكومة؛ لتقدير المواقف الأمنية، ويقدمون توصياتهم ومقترحاتهم في مختلف القضايا التي تخص دولة الكيان.
ومن مهام المركز نشر الإعلانات الداعمة لإسرائيل في الصحف العالمية والأمريكية، كما يعمل على إنتاج الأفلام الوثائقية، ونشر الكُتب، وتنظيم المؤتمرات العالمية التي تحمل عناوين “مكافحة الإرهاب” و”التطرف الإسلامي”.
تم تأسيس جهاز داخل المركز سمي ب “كمان”، معظم العاملين فيه من النساء، ولديهنَّ مهام تشابه مهام عميلات الموساد؛ ولكن ما يختلف أن معظم النساء العاملات في الجهاز هنَّ من عالم السياسة ودبلوماسيات، ويملكن شبكة علاقات واسعة مع مسؤولين سياسيين وعسكريين وأمنيين ودبلوماسيين ومعارضين من العرب ومن دول أجنبية كثيرة، وبحسب معظم التقارير فإن “كمان” لعب دورًا مهمًّا في توطيد العلاقات بين إسرائيل ودول العالم في أوروبا وآسيا بصفة عامة، وفى إفريقية بصفة خاصة، ولعب دورًا في عقد محادثات بين السياسيين الإسرائيليين ونظرائهم العرب والأفارقة خلال العشر سنوات الماضية.
الفصل الثالث
أبرز وسائل جمع المعلومات لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية
إن القدرات التكنولوجية العالية والخبرة المتراكمة التي تمتلكها أجهزة الاستخبارات في مجال جمع المعلومات تحتم علينا اتخاذ إجراءات أكثر قوة لمنع أي عمل معادٍ والتصدي له؛ ولإحباط أنشطة هذه الأجهزة يجب التعرف على أساليبها وطرقها في جمع المعلومات، والتعرف على قدراتها الواسعة في مجال التجسس والتنصت والمراقبة، وسنتناول في هذا الفصل لمحة سريعة عن وسائل جمع المعلومات لدى العدو ووسائله المستخدمة في ذلك:
وسائل جمع المعلومات:
تعتمد أجهزة استخبارات العالم بشكل عام على وسائل رئيسة عديدة في جمع المعلومات السرية أو المغلقة كما يطلق عليها في علم المخابرات، ومن هذه الوسائل:
التنسيق مع أجهزة مخابرات الدول الصديقة: حيث تعيش أجهزة الاستخبارات اليوم ما يعرف بالتنسيق وتبادل المعلومات فيما بينها وبين أجهزة استخبارات الدول الصديقة، والدول ذات المصالح المشتركة، ويتم الاشتراك في العديد من الأنشطة الاستخبارية وأنظمة التجسس بما يحقق أهداف تلك الأجهزة، ويعقد في العديد من دول العالم اجتماعات لقيادات أجهزة الاستخبارات؛ لبحث قضايا الشأن المشتركة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تم عقد اجتماع في روسيا مثَّل 99 وفدًا من استخبارات 64 دولة و4 منظمات دولية في سان بطرسبورغ الروسية لبحث قضايا مشتركة.
أما أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فتحظى بدعم ومساعدة من دول عديدة في العالم، كما أنها تتبادل المعلومات أيضًا في الإقليم؛ حيث وردت تقارير وتصريحات رسمية عديدة، تشير إلى حجم ومدى التعاون الاستخباري بين العديد من الدول وإسرائيل كان آخرها تصريح نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الميجور جنرال “يائير جولان”: إن التعاون العسكري بين بلاده وكل من الأردن ومصر وثيقٌ حاليًا بشكل لم يسبق له مثيل، خاصة في المجال الاستخباراتي، وتعكس هذه التصريحات ما تقدم عن التبادل في المجال المعلوماتي.
ولكثرة الوسائل التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات في جمع المعلومات، والتي لا يستطيع الباحث أن يذكرها هنا بالكامل؛ سيُسلطُ الضوء على وسيلتيْنِ من أبرز تلك الوسائل، وهما:
1- العنصر البشري: تجنيد العملاء وزرع الجواسيس.
2- الوسائل التكنولوجية وتقنيات التنصت والمراقبة والاستطلاع.
المبحث الأول
العنصر البشري: تجنيد العملاء وتشغيلهم
على الرغم من اختلاف الوسائل، وتغير التقنيات، واختراع الآلات والأسلحة الحديثة بمختلف أنواعها: الجوية والبحرية والبرية، وثورة الاتصالات والمعلومات والإعلام وتعدّد وسائلها، وتسخيرها لخدمة العمل الاستخباري أو التجسسي، من أقمار اصطناعية وطائرات بدون طيار، وشبكات الانترنت، يبقى الإنسان هو العنصر الأساسي في أي عمل مخابراتي؛ لما يملكه من قدرة على التقييم والتحليل والحل والربط، والتكيّف مع كل حالة، وكذلك لما يملكه من إمكانات عقلية وفكرية تمكّنه من تقديم معلومات نافعة، ويمكن من خلال زرعه أن يقدم معلومات صادقة وموقوتة، وهو ما تلهث خلفه أجهزة استخبارات الاحتلال وتجتهد من أجله؛ ولذلك تكثف تلك الأجهزة نشاطاتها الهادفة لتجنيد عملاء لها من نوعيات خاصة، وتطور أساليبها الرامية للإسقاط والتجنيد، فهي لديها أقسام مختصة بالتجنيد فقط كما ذكرنا في الدراسة، ومن أكثر أساليب الاحتلال استخدامًا في الوقت الحالي، هي:
استغلال الملذات الجنسية “الكمائن الغرامية”: وتقوم فيه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية باستغلال الغرائز الجنسية والشهوات، وعادة ما تبدأ القصة بمكالمة من فتاة عبر الجوال أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قصة حب زائفة مبطنة بسموم المخابرات الإسرائيلية أحيانًا، تمتد لأشهر دون طلب معلومة واحدة، ومن ثم يبدأ التوريط التدريجي من خلال المكالمات الجنسية، أو تبادل الصور وما شابه، ومن خلال بعض الأسئلة التي يتم انتقاؤها من ضباط التجنيد بعناية فائقة بحيث لا تثير الشبهة أو الريبة، التي تطرح على الشخص المراد إسقاطه خلال المحادثات، والتي يتم توريطه بأجوبتها حتى لو كانت تلك الأجوبة من وجهة نظر المستهدف لا تضر أحدًا؛ إلا إنها تكون بمثابة بداية توريطه، ومن ثم ابتزازه لاحقًا، والضغط عليه بتلك المحادثات والصور.
استغلال الحاجات الإنسانية “العلاج، الدراسة، العمل..”: يعتمد هذا الأسلوب على الحاجة الإنسانية الملحة التي يمر بها الشعب الفلسطيني عامة، وأهالي غزة بشكل خاص، ولاعتبارات إغلاق المعابر والحصار؛ حيث تجد الاستخبارات الإسرائيلية التربةَ المناسبة لتقوم بألاعيبها الخبيثة، من خلال الضغط والابتزاز، واستغلال حاجات العلاج والدراسة؛ فتقوم من خلال المقابلة المباشرة أو من خلال الاتصال بعرض خِدْماتها، وتستهدف الأشخاص الأكثر حاجة للعلاج في الخارج أو المقربين من عائلاتهم، وتحاول إقناعهم بأن ما سيقدمونه من خِدْمات سيمكنهم من إنهاء معاناتهم أو معاناة أهلهم، وأن ما سيطلب منهم سيكون بحسب الاستطاعة، وهذا هو الطعم الخبيث والسم الذي يدس لمثل هؤلاء، كذلك تقوم تلك الأجهزة بعدة محاولات بهدف تجنيد الأشخاص الذين بحاجة لإكمال دراستهم في الخارج، وقد تستهدفهم في أثناء مرورهم على المعابر، أو حتى وهم في الخارج، أي بعد سفرهم من خلال مكاتب الموساد العاملة خارج دولة الكيان.
استغلال الحالة الاقتصادية: ومن خلال هذا الأسلوب تقوم أجهزة الاستخبارات باستهداف الأشخاص الأكثر حاجة للمال، الذين يمرون بأزمة مادية، وتقوم بابتزازهم من خلال التواصل معهم، وإغرائهم بالمال، وتعمد في ذلك إلى تكرار الاتصال والإلحاح، ورسم صورة وردية للمستهدف بأنه سيُكْمل حياته بشكل أفضل، وستنتهي كل مشاكله المادية؛ بل ويمكنه بعد تقديم بعض الخِدْمات أن يسافر إلى أي دولة يريدها، وما ذلك إلا لاستدراجه وتوريطه في الجرم المشهود؛ حتى يستيقظ على وهم كاذب، فيجد نفسه خائنًا لدينه ووطنه.
الانترنت والخداع: يسعى ضابط المخابرات لنسج شباكه بطريقة مدروسة لإسقاط الشباب عبر الانترنت؛ مستخدمًا في ذلك وسائل عديدة، أهمها: الخداع الالكتروني، والخداع العاطفي، والتوريط الجنسي، وابتزاز المعلومات؛ ويتم ذلك إما من خلال نصب الكمائن الغرامية التي تحدثنا عنها سابقًا، أو من خلال الهندسة الاجتماعية التي سنذكرها بشيءٍ من التفصيل من خلال ابتزاز المعلومات والخداع والإيهام.
الهندسة الاجتماعية: وتعني اكتساب المعلومات بطريقة الخداع والإيهام بدون إثارة ارتياب الضحية، وتُعرف بفن انتقاء الأفراد لفعل أشياء ما كانوا ليفعلوها في الوضع الطبيعي، والهدف هو خداع شخص ما لتقديم معلومات قيمة، أو الوصول إلى تلك المعلومات من خلاله، ويركز هذا الأسلوب على الطبيعة البشرية، مثل: الرغبة في المساعدة، أو الرغبة في الثقة بالآخرين، والخوف من الوقوع في المشاكل، ومؤشر الهندسة الاجتماعية الناجحة هو الحصول على المعلومات دون إثارة الارتياب.
ويمكن تصنيف الهندسة الاجتماعية إلى نوعين، وهما: الهندسة الاجتماعية البشرية، والهندسة الاجتماعية الحاسوبية؛ حيث تعني الهندسة الاجتماعية البشرية التفاعلات بين فرد وفرد؛ للحصول على المعلومات المرغوبة، أما الهندسة الاجتماعية الحاسوبية فتعني استخدام برامج الحاسوب في الحصول على المعلومات المرغوبة.
وتستخدم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هذا الأسلوب بكثرة؛ حيث ينتحل ضابط الاستخبارات الإسرائيلية صفة مواطن عربي على سبيل المثال، ويقوم بالدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، وإثارة بعض القضايا، والتحدث مع الآخرين، ونسج علاقات معهم، ويقوم من خلال تلك العلاقات بجمع المعلومات، كما تبين في حوادث أخرى قيام ضابط الاستخبارات بانتحال صفة المؤسسات الدولية؛ فيقوم بالاتصال على بعض الأفراد ويجمع منهم معلومات، بدعوى أنه يعمل موظفًا في إحدى الشركات، أو المؤسسات الخاصة، أو الدولية، أو جمعيات الإغاثة.
المبحث الثاني
الوسائل التكنولوجية وتقنيات التنصت والمراقبة والاستطلاع.
أولًا- الأقمار الصناعية:
يعد الغزو الإسرائيلي للفضاء الخارجي أول الخطوات التأسيسية الإسرائيلية للحرب الالكترونية، وأحد أهم مجالات الحرب المعلوماتية التي تشنها إسرائيل على العالميْن: العربي، والإسلامي، فمنذ أوائل ستينيات القرن الماضي انصب الاهتمام النخبوي الإسرائيلي على تغطية الفضاء الإسرائيلي بالوسائل كافة، التي تمكنه من رصد أي تحركات على الأرض، وتبعًا لذلك طورت إسرائيل عام 1963م ما يعرف باللجنة القومية لبحوث الفضاء، التي أنشأتها كخطوة أولى في هذا المجال؛ لينشط العلماء والمتخصصون الإسرائيليون في إعداد البحوث والمؤتمرات والمشاركات المتعلقة ببحوث الفضاء، والتركيز على تطوير البنية الصناعية الفضائية الإسرائيلية كخطوة تبقى متجددة في إسرائيل، والتي أثمرت بانضمام الأخيرة إلى نادي الفضاء العالمي.
عمدت هذه المؤسسات والمصانع العاملة تحت إطار برنامج الفضاء الإسرائيلي، وبالتعاون مع بعض الجهات الداخلية والخارجية الحليفة لإسرائيل، كأمريكا وبعض الدول الأوروبية، إلى إنتاج العديد من الأقمار الاصطناعية، والأدوات الغازية للفضاء الخارجية، وتمكن العالم الإسرائيلي “يوفال نئمان” في العام 1983م من البدء بلملمة مكونات برنامج الفضاء الإسرائيلي، ووضعه ضمن وكالة تعنى بشؤون الفضاء الخارجي والالكتروني، وهي وكالة الفضاء الإسرائيلية المعروفة باسم “سالا”؛ حيث كلفت “سالا” بالإشراف على برنامج الفضاء الإسرائيلي، وتنفيذ مخرجاته، وإنتاج المزيد من التكنولوجيات في هذا المجال وتطويرها، وسنعرج سريعًا على قدرات إسرائيل في مجال الأقمار الصناعية “التجسسية”:
1- القمر (أفق1) (ofeq1): تم إطلاق هذا القمر إلى الفضاء الخارجي بتاريخ 19/9/1988م؛ حيث كان عبارة عن قمر تجريبي خصص لأغراض التجسس؛ ولكن ضمن الأطر المحدودة؛ نظرًا لكونه قمرًا تجريبيًّا قليل الإمكانيات التقنية والتكنولوجية.
2- القمر ( أفق) (ofeq2): جاء هذا القمر بصورة مطورة أكثر من القمر الذي سبقه؛ لتتسع دائرته الوظيفية؛ حيث زود بآلات تصوير عالية الدقة، وذات أبعاد استكشافية مهمة، تم إطلاقه إلى الفضاء الخارجي بتاريخ 3/4/1990م.
3-القمر (تكسات1) ( :(tksatفي شهر أذار/مارس من عام 1995م حاولت مجموعة من الطلبة الإسرائيليين المتخصصين بالتقنيات الفضائية والمعلوماتية إطلاق هذا القمر الصناعي المخصص للأغراض العلمية إلى الفضاء الخارجي، وذلك بالتعاون مع الجهات الروسية؛ إلا إن تجربتهم باءت بالفشل.
4- القمر (أفق 3): بدأ التقنيون الإسرائيليون بإجراء دراسات مكثفة على الأقمار الصناعية التي تم إطلاقها في السابق، وقد تكللت نتائج هذه الدراسات بالنجاح بتاريخ 5/4/1995م؛ حيث أطلق هذا القمر إلى الفضاء بجاهزية عالية جدًا، وزود بكاميرات (cameras) رقمية متطورة ذات، إمكانيات تصويرية كبيرة، تصل إلى مسافات بعيدة وضمن أي ظروف، علاوة على الخصائص التكنولوجية الأخرى التي تمتع بها هذا القمر الإسرائيلي الصنع.
5- القمر (عامس) (Amos): تم إطلاقه بتاريخ 16/7/1996م، خصص لأغراض الاتصالات والتواصل، وهو عبارة عن قمر ثلاثي المحاور، يقوم بتزويد الإذاعات التلفازية وتغطيتها، ونقل المعلومات إلى القواعد الأرضية مع إمكانية استخدامه في إدارة أعمال القوات الإسرائيلية، المتعلقة برصد المعلومات و الاختراقات الالكترونية الأخرى.
6- القمر (أفق4): فشلت إسرائيل في كانون الثاني يناير من العام 1998م في إطلاق قمرها الصناعي (أفق4)، والذي لم يستطع الوصول إلى مداره المخصص، وسقوطه في البحر الأبيض المتوسط؛ الأمر الذي دفع إسرائيل لإعادة النظر في هذه التجربة.
7- القمر (تكسات2) (2 tksat): عمل الطلبة الإسرائيليون على تطوير هذا وذلك بالتعاون مع المعهد التكنولوجي الإسرائيلي (التخنيون)؛ حيث عكف الطلاب ولسنوات على تطوير وتصحيح فشلهم الأول، وأسفرت هذه الجهود كلها بتاريخ 10/7/1998م عن القمر (تكسات 2)، والذي حقق وفرة في استهلاك الطاقة المخصصة للبرنامج الفضائي الإسرائيلي.
8- القمر (ايروس إيه1) (Eros a1): وهو نتاج عمل الجهود المشتركة والتعاونية بين المؤسسة الجوية الإسرائيلية، خصص هذا القمر لأغراض التصوير الفضائي، وقد حقق مزيدًا من التقدم التكنولوجي والعملي لإسرائيل، وتم إطلاقه للفضاء الخارجي بتاريخ 5/9/2000م.
9- القمر (أفق5): تم إطلاقه بتاريخ 28/5/2002م عقب الفشل في إطلاق القمر (أفق4)، جمع هذا القمر الكثير من الخصائص التي تمتعت بها الأقمار الإسرائيلية السابقة؛ ولكن بشكل أكثر تطورًا؛ مما أدخله بقوة في مجالات التجسس، والاستطلاع العسكري، والمجالات الالكترونية الأخرى.
10- القمر (ايروس إيه2) (Eros a2): خصصت إسرائيل هذا القمر للتجسس على المنشآت النووية الإيرانية، ودعمته بأقمار صناعية صغيرة الحجم، في أذار/مارس 2006م.
11- القمر (أفق7): بعد احتراق القمر الصناعي الإسرائيلي (أفق6) في العام 2004م، أطلقت إسرائيل هذا القمر في العام 2007م، وخصصته للأغراض التجسسية.
12-القمر (بولاريس) (Polaris): يضاهي هذا القمر تكنولوجيًّا الأقمار الصناعية الأمريكية، وله قدرة عالية على تغطية مساحات واسعة، ومخصص للاستخدام العسكري، وذلك عبر توجيه الحزم الالكترونية المطلقة نحو أهدافها بشكل عالي الدقة، ويعرف أيضًا باسم “تكسار”، وقد تم إطلاقه بتاريخ 21/1/2008م، بالتعاون مع البرنامج الفضائي الهندي.
13-القمر (أفق9): أطلقته إسرائيل في العام 2010م؛ لتدعيم تجسسها على إيران، مع العلم أن إسرائيل تمتلك منظومة أقمار صناعية تقدر ب (10) أقمار، تسبح في الفضاء الإيراني، حمل هذا القمر رقم (9)؛ كون إسرائيل قد تشاءمت من الأرقام الزوجية، بسبب الفشل الذي أصابها في إطلاق القمرين: (أفق4-أفق6)، علمًا أنه من المفترض أن يحمل القمر “بولاريس” التسمية (أفق8)؛ ولكن تم استبداله بتسمية أخرى للسبب ذاته.
وضعت إسرائيل بنكًا من الأهداف المعلوماتية والأمنية التي ترغب بتحقيقها من خلال هذه الأقمار الاصطناعية، ويقع التجسس على العالم العربي والاسلامي في مقدمة هذه الأهداف، ويضاف إليها مجموعة أخرى من الأهداف الاستراتيجية المنشودة التحقق، أهمها ما يأتي:
1- تُخفض الأقمار الصناعية عنصرَ المفاجأة الذي تخشاه إسرائيل دائمًا؛ وذلك عبر مراقبة الأراضي التي تحيط بها، والتي تنشط بها تشكيلات معادية، وإرسال التقارير التي تتعلق بها بشكل دوري.
2- توفر الأقمار الصناعية لإسرائيل إمكانية الاستطلاع على المعلومات المهمة للدول المجاورة لها، وقد عززت إسرائيل من هذا الهدف الاستراتيجي خاصة بعد حرب الخليج الثانية؛ حيث تمكن العراق من ضرب إسرائيل بمجموعة من الصواريخ.
3- لهذه الأقمار القدرة على توجيه الصواريخ النووية إلى أهدافها بدقة بالغة.
4- إعاقة شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية للدول العربية والاسلامية؛ وذلك عبر وسائل الاستطلاع التي تمكن إسرائيل من اختراق هذه الشبكات الاتصالية والتواصلية.
ثانيًا- الطائرات بدون طيار:
إن التقدم الكبير الذي شهدته إسرائيل في مجال تصنيع الطائرات غير المأهولة وتطويرها، جعلها من الدول الرائدة في هذا المجال؛ بل أصبحت تلك النماذج من الطائرات تحظى باهتمام العديد من الدول التي تسعى لامتلاكها، وبالفعل قامت إسرائيل في السنوات الأخيرة بعقد صفقات مع عدة دول لتزويدها بتلك الطائرات؛ حيث تمتلك إسرائيل العديد من هذه النماذج منها ما هو مخصص للعمل الاستخباري والجمع المعلوماتي فقط، ومنها ما يمكن استخدامه في عمليات القصف وضرب أهداف، بالإضافة لاستخداماتها في مجال الجمع والاستطلاع، وقد تسلم سلاح الجو الإسرائيلي في وقت سابق أحدث طائرة تجسس في العالم من الولايات المتحدة، وقد جرى إطلاق اسم “ناحشون بن عميدور” على تلك الطائرة، وهو اسم أول من عبر البحر الأحمر لدى خروج اليهود من مصر وفقًا للتاريخ اليهودي. والطائرة قادرة على تصوير أي بقعة على سطح الأرض بدقة متناهية، وبهذا تكون قد حسنت من الأداء التجسسي لسلاح الجو الإسرائيلي، إذ توفر معلومات بالغة الأهمية والفعالية، وأفضل صور دقيقة لأوضاع مختلفة الساحات، وقد أكد موقع سلاح الجو الإسرائيلي على الانترنت على قدرة هذا السلاح على استيعاب الطائرة الجديدة وهضم تقنياتها العالية؛ إذ أمضى بعض طياريه أسابيع عديدة في الولايات المتحدة للتدريب على الطائرة. أما عن ميزات هذه الطائرة التي تم تطويرها أصلًا من طائرة رجال الأعمال “كلف ستريم Gulf stream”، والتي تعاقدت شركة “ايليتا” الإسرائيلية وشركة “كلف ستريم” الأمريكية في تشرين الثاني العام (2001م) على صفقة تتضمن نموذجًا للتجسس وآخر للمراقبة الجوية، وقد وصفت قدراتها التكنولوجية بأنها فائقة التطور، كما أن لها قدرة التحليق على ارتفاعات عالية جدًا، والبقاء في الجو خمس عشرة ساعة متواصلة، فتقلع من الولايات المتحدة إلى الخليج العربي مثلاً بلا توقف ولا انقطاع، من جهة أخرى قال موقع الجيش الإسرائيلي على الانترنت إن الطائرة الجديدة فائقة التطور تمنح سلاح الجو الإسرائيلي تفوقًا نوعيًّا لا نظير له، وإن الجيش الذي كان يعتمد على وحدات في مهام المراقبة الجوية، صار يمتلك هذا النوع من الطائرات ذات القدرات غير المسبوقة؛ لإنجاز مهام التجسس والمراقبة الجوية بفاعلية ودقة كبيرتين، تبلغ تكلفة كل طائرة من هذا النموذج التجسسي الذي لم يكن لدى إسرائيل، ما يضاهي نحو مئة مليون دولار، ومن ناحية أخرى، تم بتعاون إسرائيلي-روسي إنتاج عدد من طائرات التجسس “فالكون” التي تعتمد على تقنيات أمريكية متقدمة، وقد أنتجت إسرائيل في العقد الأخير وطورت أكثر من طراز مثل طائرة “هرمس 450″، و”هيرون”، والعديد من الطائرات ذات استخدامات مختلفة في مجال التجسس والتنصت والمراقبة.
أما أحدث طائرة استطلاع انضمت للخدمة فهي “هرمس 900″، أو “الكوكب” كما يطلق عليها سلاح الجو الإسرائيلي، ولم يكشف عن إمكانيات هذه الطائرة وقدراتها؛ إلا إن ما صُرح به هو أن “الكوكب” (هرمس 900) سوف تؤدي إلى ثورة في عالم وسائل الطيران غير المأهولة فإمكانياتها كما يبدو ليست مضاعفة فقط، فالحديث يدور عن قفزة نوعية تكنولوجية، تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من الحصول على قدرات جديدة، والتوغل في حلبات إضافية وآفاق بعيدة، وتقاس وسيلة الطيران غير المأهولة بحسب قدرتها على إحضار أجهزة حديثة ومتطورة أكثر بكميات أكبر إلى المساحة، وتنفيذ مهام نوعية أكثر؛ لذلك يمكن القول إن التحسينات المهمة في “هرمس 900” هي قدراتها التقنية والقتالية، وقدرات المراقبة والاستطلاع، وهذا بحسب ما صرح به قادة من سلاح الجو لموقع الجيش الإسرائيلي.
ثالثًا- التجسس على الهواتف النقالة ومواقع التواصل الاجتماعي:
كان الاعتقاد الشائع عند انتشار الهواتف النقالة الخلوية بعد عام 1990م أنه يستحيل مراقبتها والتنصت عليها؛ لأنها تستعمل نظام (GSM)، وأمام هذه الصعوبة في المراقبة طلبت وكالة “CIA” وضع رقائق صغيرة داخل هذه الهواتف؛ لكي تيسر لها مراقبة المحادثات الجارية خلالها، وبينما كان النقاش يدور حول هذا الأمر ومدى مشروعيته، استطاعت إحدى الشركات الألمانية وهي شركة Rode Schwarz” ” تطوير نظام أطلقت عليه اسم “Tmsl Catcher” وهو اختصار لـ “Internato nal mobile scbscri ber Identity” استطاعت من خلاله التغلب على هذه الصعوبة، واصطياد جميع الإشارات الصادرة عن هذه الهواتف، وقلبها إلى كلمات مسموعة، ولم تكتفِ المخابرات الألمانية في حينه من اختراق المكالمات الجارية بالهواتف النقالة؛ بل توصلت إلى معرفة مكان المتحدثين أيضًا، كما طورت جهازًا الكترونيًّا تستطيع بوساطته استخدام الميكروفون الموجود في الهاتف النقال؛ لكي ينقل جميع الأصوات والمحادثات الجارية، وسرعان ما انتقل هذا النظام الالكتروني إلى وكالة “NSA” الأمريكية، وغالبًا إلى وحدة “8200” الإسرائيلية، وكان هذا التقدم المذهل سببًا في اغتيال عدد من القيادات والمجاهدين، مثل: الشهيد يحيى عياش، والرنتيسي، والشيشاني من خلال استخدامهم للهاتف النقال، كما وقع “أوجلان” في الخطأ القاتل نفسه عندما قام بالاتصال بمؤتمر الأكراد في أوروبا؛ حيث تم تحديد مكانه واعتقاله، ولعدم قدرة أجهزة الاستخبارات في العالم على التجسس على ملايين المكالمات الواردة على مقاسم الاعتراض والالتقاط، تم تصميم برامج تجسس حديثة تقوم على فلترة بلايين المكالمات، وتحديد بعض الأرقام الخاصة للرصد، أو من خلال بصمة الصوت، أو من خلال وضع كلمات مفتاحية يتم التقاط أي مكالمة تذكر فيها هذه الكلمات، ومن هذه الانظمة نظام “ايشلون”، ونظام “ناروس”، ونظام “بريزم” الذي كشف عنه العميل السابق لدى وكالة الأمن القومي “ادوارد سنودن”، وهو اسم رمزي لمشروع تجسس ضخم تديره وكالة الأمن القومي الأميركية، كشفت عنه صحيفتا واشنطن، بوست والغارديان البريطانية، وأقرته الإدارة الأميركية وأدانت الكشف عنه، والنظام ببساطة عبارة عن برنامج يحمل اسم “بريزم” يتم تنزيله على أنظمة الشركات؛ ليقدم لها وصولًا مباشرًا إلى الخوادم المركزية لمواقع، منها: “غوغل” و”فيسبوك” و”آبل” و”ياهو” و”إيه أو أل” و”سكايب” و”يوتيوب” و”مايكروسوفت”؛ لاستخراج رسائل بريد إلكتروني ومكالمات صوتية ومقاطع فيديو وصور واتصالات أخرى لعملاء تلك الشركات؛ دون الحاجة إلى أمر قضائي.
وبهذا تكون لأجهزة الاستخبارات السيطرة الكاملة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث تقوم بمراقبتها ومتابعتها على مدار الساعة.
هواتف الجيل الثالث:
في العالم الرقمي وعالم «القرية الصغيرة» التي تحتل فيها إسرائيل مكانة متقدمة على صعيد تكنولوجيا الاتصالات؛ فإن الأمر يعني أن كل من يحمل جهاز هاتف خليوي ذكي، وخصوصًا ما يعمل بأنظمة الجيل الثالث، التي تطورت وغدت وسيلة للتراسل الالكتروني، ولتصفح الانترنت، ولمشاهدة التلفاز؛ بل والتعرف أيضًا على الطرقات من خلال برامج التوجيه، سهُل الأمر على من يريد لعب دور «الأخ الأكبر» أن يراقب سلوك كل من يحمل هذا الجهاز وتصرفاته. وإذا كان معلومًا سابقًا بأن أجهزة «آي فون» والأجهزة العاملة على نظام «أندرويد» ترسل إلى موقع ما معلومات عن كل استخداماتك للهاتف وحركاتك، فإن الجديد في الأمر أنه، وباستخدام برنامج يجري بيعه على شبكة الانترنت يمكن لأي شخص تقريبًا أن يحظى بمعلومات كهذه عمن يريد. فأجهزة الهاتف التي تعمل بنظام الجيل الثالث يمكنها ببساطة، بفضل برامج متوفرة، أن تغدو أجهزة تجسس عليك لحساب من يريد، وبوسع المتحكم في البرنامج السيطرة على جهاز الهاتف المعني وفتحه لتسجيل ليس المكالمات فقط، وإنما ما يدور في مكان وجود الجهاز، واستخدام كاميرته للمراقبة وقتما شاء. ويوضع البرنامج في الجهاز بحيث لا يتغير من واقع الأمر شيء إذا قام صاحب الجهاز بتغيير شريحة الهاتف.
تطبيقات التجسس على الهواتف الذكية:
إن تطبيقات التجسس على الهواتف الذكية أصبحت متعددة، وتخدم جهات استخبارية وتجارية عديدة؛ حيث اكتشفت شركة “لوك آوت” Lookout المختصة بالحماية الالكترونية عن تطبيقات كانت موجودة على متجر أندرويد، تقوم بالتجسس على المستخدمين الذين يقومون بتثبيتها على هواتفهم.
وذكرت أن لتلك التطبيقات الخبيثة القدرة على تعقب موقع الهاتف الجغرافي بشكل دقيق، بالإضافة إلى معلومات عن الاتصالات التي تجرى عبر الهاتف.
أحد هذه التطبيقات يدعى “Embassy” ووظيفته المعلنة في متجر Google Play الخاص بتطبيقات “أندوريد” هي تقديم معلومات للمستخدم عن سفارات بلاده في الدول التي يزورها؛ لكن في الحقيقة يقوم هذا التطبيق، حسب شركة “لوك آوت”، بالتجسس على نشاطات الهاتف، ويرسل قائمة الاتصال على جهاز الضحية إلى “سيرفر” آخر على الانترنت.
وهناك تطبيقات أخرى، تقدم نفسها على أنها تطبيقات إخبارية؛ لكنها في الوقت ذاته تتضمن “مراقب” أو Overseer للقيام بمهام التجسس على المستخدمين.
قدرات الشركات الإسرائيلية على اختراق الهواتف:
تضمن تقرير نشر على القناة العاشرة العبرية معلومات مفصلة عن شركات إسرائيلية لتصنيع برمجيات التجسس وإنتاجها، وذكر التقرير إن شركات السايبر الإسرائيلية تنتج تطبيقات وبرامج تجسس يتم تصدير العديد منها لدول صديقة لإسرائيل، واستعرض التقرير عددًا من القصص المتعلقة بشراء أنظمة السايبر: عربيًّا ودوليًّا، منها ما حدث بدولة جنوب السودان؛ حيث لوحظ في العام الأخير حسب بيانات الأمم المتحدة حملة اعتقالات واسعة قامت بها الدولة، طالت النشطاء والمعارضين السياسيين؛ ليتبين أن هذه الاعتقالات بسبب برمجيات التجسس التي تنتجها شركات السايبر الإسرائيلية، التي استخدمتها دولة جنوب السودان في ملاحقة النشطاء والمعارضين، ومن أبرز تلك الشركات شركة “سلبرايت”؛ حيث تقدم هذه الشركات برامج وتطبيقات التجسس الأكثر تقدمًا للعالم، وتستعين بها الكثير من أجهزة المخابرات الدولية، فماذا تقدم لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية؟
رابعًا- تقنيات تجسس:
تدرك دولة الاحتلال مدى أهمية تقنيات التجسس في جمع المعلومات، كما وتدرك جيدًا أن هناك تطورًا في العمل الاستخباراتي المضاد لدى أعدائها؛ لذا فإن أجهزة استخبارات الاحتلال تبذل أقصى جهد لها لتطوير تقنيات تجسس متقدمة تمكنها من مجابهة هذا الوعي والتطور، وإحداث الاختراقات اللازمة لجمع المعلومات والاستخبارات النافعة، من خلال التطوير الذاتي، أو بعقد صفقات مع شركات كبرى في مجال تقنيات التجسس.
وسنذكر هنا أبرز تقنيات التجسس والاختراق الفاعلة، التي تجمع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية معلوماتها من خلالها:
1- النسور التجسسية:
أسلوب تجسسي إسرائيلي جديد مخصص للتمويه وصعوبة الكشف أو الضبط كمبدأ عمل الطائرة بدون طيار، وتتلخص آلية عمل هذا الأسلوب بتركيب أجهزة تصوير وتجسس تعمل بالطاقة الشمسية على أجنحة النسور البرية الطائرة؛ لتنقل الصور إلى إسرائيل بشكل مباشر عبر أنظمة الـ GPS””، ويتم التحكم بها من خلال الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية.
تم ضبط مثل هذه النسور في السودان وتحديدًا في منطقة كرينك (KEREINEK) غرب دارفور (DARFUR)؛ حيث ضبطت الأجهزة الأمنية السودانية مجموعة من هذه النسور؛ لتقوم بتحليل المعدات التي تحملها، والتي تبين أنها إسرائيلية الصنع، وتحمل عبارة باللغة العبرية تعني (الهيئة الإسرائيلية للطبيعة)، وأنها صنعت في الجامعة العبرية في القدس.
2- صخور التجسس:
وهي صخور صناعية تشبه تمامًا الصخور الطبيعية، يتم وضع أدوات التنصت والتجسس والمراقبة والاختراق والتصوير بداخلها، ومن ثم التحكم بها بشكل آلي، وأحيانًا تكون صخور طبيعية بشكل كامل.
قامت إسرائيل باستخدام هذا الأسلوب في إيران بالقرب من محطة فردو (VRDO) على وجه التحديد، التي تعد من أهم محطات تخصيب اليورانيوم في إيران، كما تم ضبط هذه الصخور أيضًا في منطقة شمع وفي جبال صنين وباروك في لبنان، وبعد الكشف عن المنظومتين التجسسيتين في جنوب لبنان تبين أن منظومة التجسس في أعالي صنين، هي عبارة عن صخرتين: واحدة مزودة بكاميرات تصوير تغطي لمسافة 20 كيلومترًا، وتقرب الهدف المنشود إلى حدود المتر الواحد، والأخرى عبارة عن ركائم، أي بطاريات تزود الكاميرات بالطاقة وتؤمن هذه التغذية لسنوات طويلة”.
وعند تفكيك منظومة التجسس “صنين” تبين أنذها تحتوي على خمسة أجزاء:
نظام بصري.
نظام إرسال الصورة والبث عبر الأقمار الصناعية.
نظام استقبال إشارات التحكم.
نظام إدارة التحكم بالمنظومة؛ للتحكم به عن بعد.
نظام التغذية بالطاقة.
3- طائر البومباردير “CL-327”:
وهو أحدث جهاز للتجسس والمراقبة الالكتروني الدقيق، ويحتوي على أجهزة فحص وكشف بنمط مزدوح “uv/ir”، أي الأشعة تحت الحمراء، والأشعة الفوق البنفسجية، يؤمن مسحًا طبوغرافيًّا شاملًا؛ حيث يعتمد على أجهزة استشعار ورؤية الكتروبصرية/حرارية، وينقل التحركات الدقيقة من الجو مباشرة بالصورة والصوت إلى مراكز الاستخبارات الإسرائيلية في السفن البحرية، وهو عبارة عن جسم أصغر من الطائرة المروحية دائري في أسفله وأعلاه، يربط ما بينهما أنبوب أسطواني، يحتوي على مروحتين تساعدانه على التحليق لساعات طويلة بدون الاعتماد على الوقود، ويكون مزودًا بأسفله بعيون كاشفة على شكل كاميرات فيديو، تعمل بالأشعة تحت الحمراء، مربوطة لاسلكيًا بمركز تحكم وتوجيه نحو الهدف المطلوب للتجسس عليه، ويستطيع الطيران لما يقارب الخمس ساعات بارتفاع يصل حتى 5500 متر، ويحتوي على خاصية التدمير الذاتي في حال تم إسقاطه أو السيطرة عليه؛ وذلك لعدم كشف تقنياته وما يحتويه من معلومات، وهو من إنتاج شركة “BOMBARDIER”، الكندية وقد ضمته أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية للخدمة عام 2011م.
4- مناطيد التجسس:
إحدى الطرق المتقدمة التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لجمع المعلومات بوساطة استخدام نظام بسيط للغاية، وبتكلفة محدودة؛ حيث تستخدم قوات الاستخبارات البرية هذه المناطيد لجمع المعلومات، ولمتابعة النشاطات على مدار الساعة، وتعدُّ من أهم وسائل الجمع لديها.
إن قوات الاستخبارات البرية هي المسؤولة عن جمع المعلومات، والتعرف على التهديدات الموجودة ميدانيًا، وإحدى الطرق الأكثر تقدمًا التي تقوم هذه القوات باستخدامها هي مناطيد التجسس التي ترفع لمسافات محددة في السماء، وهي مزودة بأدوات متابعة متقدمة، وكاميرات تصوير عالية الدقة، وتحتوي على تقنيات للرؤية الحرارية، ويتم تطوير تقنياتها بشكل مستمر؛ حيث تستخدم هذه التقنيات المتقدمة لجمع المعلومات، والقيام بدوريات على الحدود، ويمكنها المراقبة والتصوير في محيط دائري بقطر 5 كم، وما يُميز المناطيد هو أنها قادرة على البقاء في السماء لفترة زمنية متواصلة؛ حيث إنها لا تحتاج إلى الوقود بصورة دائمة كما الطائرات؛ لذلك فبإمكانها أن تشكل مصدرًا دائمًا للاستخبارات على منطقة معينة. ومن أبرز المناطيد التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية منطاد مراقبة النظام التكتيكي TAOS، وينتشر العديد منها على حدود القطاع.
5- تقنيات تجسس “تكنولوجيا النانو”:
تستخدم إسرائيل هذه التكنولوجيا في إنتاج وتطوير وسائل تجسس بحجم صغير، تتناسب واحتياجات أجهزة الاستخبارات، فكما تقوم أجهزة الاستخبارات في دول العالم بمضاعفة الجهد في هذا الحقل فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عكفت في العقد الأخير على امتلاك أصغر أجهزة تجسس في العالم وأدقها.
ومن أمثلة تقنيات التجسس الحديثة ما يأتي:
جهاز تنصت على شكل موزع كهربائي، يقوم بشحن نفسه تلقائيًّا من المقبس الموجود به.
فلاش عادي جدًا، ولكنه بالإضافة لذلك جهاز تنصت، يمكنه التنصت لثلاث ساعات متواصلة، كما يقوم بالشحن بشكل آلي بمجرد وصله بالحاسوب.
بطارية جوال عادية لا تلفت الانتباه، عدا أنها ليست عادية!؛ حيث يمكنك وضع شريحة جوال فيها، ومن ثم الاتصال بها، وسماع ما يدور في المكان.
جهاز يتم تركيبه ودمجه في النظام الكهربائي للسيارات، بحيث يمكن الاتصال عن بعد على شريحة الجوال داخل الجهاز، وسماع أي محادثات داخل السيارة.
تُسمى هذه الأجهزة MAV”” اختصارًا لـ”ـMicro Air Vehicles” (الأجهزة الطائرة الصغيرة)، ويتم تطويرها في قاعدة “رايت باتيرسون” في ولاية أوهايو الأمريكية.
تتجمع الأسر الإسرائيلية في إسرائيل في يوم المخابرات في مدرج يوجد به متحف بالمقتنيات والأدوات التي استخدمت في المخابرات، ومنها جهاز إرسال في قاعدة مكواة، وميكروفون في غلاية للقهوة، وحبر خفي في زجاجة عطر، وجهاز تسجيل سجل المحادثة السرية بين الملك حسين والرئيس جمال عبد الناصر، التي كانت نذيراَ بحرب الأيام الستة، وجهاز اللاسلكي البلوري الذي استخدمه “بنت” و”موشيه مرزوق” في إدارة الموساد في مصر؛ حيث ماتا في السجون المصرية.
وإسرائيل بارعة في نسخ التكنولوجيا ونقلها، فما إن تصلها أي تكنولوجيا جديدة حتى تنسخها وتقلدها. وتقدمت إسرائيل كثيراَ في مجال الانترنت، ولديها الخبرة والتقنية معاَ.
الخاتمة
تتعدد أساليب وأنشطة الأجهزة الاستخبارية المعادية في جمع المعلومات، ومما تقدم وبحسب العديد من المعطيات والتقارير فإن العديد من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والدولية والعربية تنشط في الأراضي الفلسطينية؛ بهدف جمع المعلومات؛ حيث إن الهدف الرئيس من هذا الجهد الاستخباري المبذول من إسرائيل والدول الغربية هو الحفاظ على إسرائيل كقوة أولى في قلب العالم العربي والإسلامي.
وعلى الرغم من تعدد أجهزة الاستخبارات والجمع الإسرائيلية وما تمتلكه من خبرة وتنظيم، وعلى الرغم من النفوذ التكنولوجي والالكتروني الواسع لتلك الأجهزة وما تمتلكه من قدرات رقمية وتقنية فائقة الدقة، وعلى الرغم مما تتلقاه من دعم وإسناد استخباري من كبريات دول العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وما يخصص لها من ميزانيات ضخمة؛ إلا إنها وعلى مدار التاريخ قد واجهت العديد من أوجه الفشل الاستخباري والقصور المعلوماتي، وهناك العديد من الشواهد على ذلك؛ ولكننا لسنا بصدد البحث هنا.
وبالتالي فإنه يمكننا القول بأنه مهما كانت القدرات التي تحظى بها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وحليفاتها؛ إلا إنها يمكن أن تبقى عاجزة وقاصرة أمام تطور الوعي الأمني لدى المقاومة الفلسطينية، والإجراءات الأمنية التي تتبعها، والتي تحد كثيرًا من أنشطة تلك الأجهزة الاستخبارية وفاعليتها، التي تنشط في الأراضي الفلسطينية، وعليه فإن قوة إسرائيل وقدراتها تعد الأضخم في المنطقة، وهي بمثابة عملاق ضخم بما تمتلكه من إمكانيات وقوة هائلة على المستويات كافة؛ إلا إن هذا العملاق يمكن أن يبقى ضريراً في حال وجود قصور وضعف في الجهد الاستخباري، وهذا ما يمكن أن تضاعفه المقاومة من خلال سد الثغرات، ومنع الخروقات، وإحباط الأنشطة الاستخبارية المعادية.
إن أهم التوصيات التي يمكن للباحث تقديمها من خلال الدراسة تكمن في التأكيد على ضرورة تطوير الاستخبارات الدفاعية، فضلاً عن التركيز على الجانب الوقائي، وتعزيز الإجراءات القادرة على تشخيص التهديدات ومعالجتها، والتي يمكن إيجازها في النقاط الآتية:
– الاستخبارات الدفاعية وما تشمله من إجراءات وقائية تكون دومًا قليلة الكلفة في جميع جوانبها، مقارنة بالثمن الباهظ الناجم عن ضعف تلك الإجراءات.
– إن من أهم الإجراءات الدفاعية وخاصة في الحالة الفلسطينية هي رفع الوعي الأمني لدى شرائح المجتمع كافة، من خلال التثقيف الأمني؛ لأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تعتمد في جمع المعلومات على التقدم الأمني والتقني لديها، وهشاشة الوعي الأمني لدى المجتمع الفلسطيني وضعفه، فكلما كانت وسائل التثقيف ناجعة وشاملة ومتنوعة، تراجع مستوى الفاعلية التي تحرزها تلك الأجهزة الاستخباراتية، بالإضافة إلى تحييد أنشطتها إلى أقصى درجة.
– الاستخبارات والمعلومات لهما دور رئيسٌ ومهم في ديمومة حياة الأجهزة الاستخبارية وقوتها، فهي بمثابة الماء والهواء لديها، وإن حرمان تلك الأجهزة من المعلومة بحاجة لتكاتف جميع أطياف المجتمع من خلال دعم الإجراءات الوقائية وتعزيزها، والمساهمة الفاعلة فيها.
-إن من ضمن الإجراءات الدفاعية المهمة هو تعزيز القدرات السايبيرة لمواجهة التحديات وتطوير الكفاءات ودعمها؛ لتشكيل حاجز صد لحروب المستقبل (حروب السايبر)، والاستعداد الجيد لها، وصياغة وسائل أخرى مناسبة لمواجهتها.
Enregistrer un commentaire