معاريف: بكين تدخل من عتبة الرياض وبايدن يحذر وإسرائيل تعيد
قراءة المثل الفرنسي
على مدى التاريخ كانت
المنطقة التي تسمى اليوم الشرق الأوسط مجموعة من الدول الأخرى – بابل، مصر، فارس، اليونان،
روما، الإمبراطورية العثمانية، وذلك بسبب كونها جسراً برياً بين ثلاث قارات وبين بحرين.
في العهد الجديد، وبخاصة بعد اكتشاف النفط، أصبحت منطقة مرغوباً فيها من دول مثل بريطانيا
وفرنسا وأمريكا – وهذه الأخيرة وإن لم تكن محتلة، كانت ذات وجود سائد من خلف الكواليس،
بل أمامه أحياناً. والآن، جاء دور الصين؛ في الحرب الباردة كان الشرق الأوسط ساحة المناوشات
الأساس بعد ألمانيا، بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، وأدى النزاع العربي الإسرائيلي
فيها دوراً مركزياً، أحياناً كمحرك ومسرع، وأحياناً كلاقط برق. في الفترة ما بعد الحرب
الباردة، كانت الولايات المتحدة جهة تكاد تكون كلية القدرة في المنطقة من ناحية عسكرية
وسياسية واقتصادية، وبلا منافسين حقيقيين، إلى أن أعلن الرئيس أوباما عن نقل المحول
الاستراتيجي لأمريكا من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى؛ تغيير ارتبط به أيضاً الرئيسان
ترامب وبايدن لأنهما اعتقدا، كما يتبين بالخطأ، فإن أهمية النفط والغاز انخفضت.
في أعقاب إخراج تدريجي
للقوات الأمريكية من المنطقة، نشأ فراغ جغرافي سياسي حاولت روسيا بوتين أن تملأه، لكن
الصين تصبح الآن وبسرعة اللاعب الرئيس، وتحتل مكان روسيا أيضاً، التي تضطر بسبب تورطها
في أوكرانيا إلى تقييد تدخلها في أماكن أخرى. وجراء لذلك، وإن كان من السابق لأوانه
الحديث عن حرب باردة جديدة – بشكل مفعم بالمفارقة، تجد أمريكا نفسها في ساحة مواجهة
مع الصين ليس فقط في الشرق الأقصى، مثلما توجه أوباما وخليفتاه، بل وفي الشرق الأوسط
أيضاً. تتطلع الصين إلى تغيير النظام العالمي كي تضمن النصر الأيديولوجي وأهدافها الجغرافية
السياسية على الغرب الذي تقف على رأسه الولايات المتحدة، والشرق الأوسط، ومنطقة الخليج
الفارسي بخاصة تبدو لبكين ملائمة على نحو خاص لرفع مستوى مكانتها الدولية. وذلك لأن
دول المنطقة نفسها يسودها إحساس بأن أمريكا أقل اهتماماً بها. زيارة الرئيس الصيني
شي جين فينغ إلى السعودية مؤخراً، والاستقبال الفاخر الذي أجري له هناك – بخلاف الحدث
المتواضع مع الرئيس بايدن قبل ذلك – كانا تعبيراً ملموماً عن ذلك.
إضافة إلى المصلحة الواضحة
لضمان توريد منتظم للنفط من الشرق الأوسط، تسعى الصين إلى إضعاف المكانة العامة للولايات
المتحدة في المنطقة، النية التي تعتمد على أي حال على ميول الولايات المتحدة نفسها
لتقليص وجودها. علاقات الولايات المتحدة مع السعودية وحاكمها الفعلي ولي العهد محمد
بن سلمان أصبحت عكرة في أعقاب قضية خاشقجي ورفع أسعار النفط الخام بخلاف مطالبات واشنطن.
السعودية وإن كانت لا تسير بعيداً حقاً، إلى حد تدمير علاقاتها التقليدية، بما فيها
العسكرية مع أمريكا، لكن كما يقول المثل الفرنسي: كل شيء بالتوازن المناسب. ومن جهة
أخرى، ومع أن أمريكا غفت في حراستها وبالتأكيد لم تكرس للميول الصينية الانتباه اللازم،
فإنها تستعد الآن بقوة أكبر للتصدي لها. لقد حذرت إدارة بايدن مؤخراً دول المنطقة من
أن للصين ميولاً لا تخدم مصالحها الحقيقية. مشكوك أن تحقق هذه التحذيرات هدفها بالكامل،
وذلك بسبب أخطاء الماضي وفي ضوء المسائل التي تثور حول استقرار سياسة الولايات المتحدة
في عصر تقويض المسلمات في ساحاتها السياسية والاجتماعية.
لقد كانت للصين علاقات،
أساساً اقتصادية وأحياناً ثقافية، مع المنطقة منذ آلاف السنين. ولكن حتى وقت أخير مضى،
ليست مصممة بشكل خاص، لا من جانبها ولا من جانب شعوب المنطقة. لكن مبادراتها الحالية
بالتأكيد تشكل فصلاً فاعلاً جديداً في نهج الصين، وهي تعمل على زيادة نفوذها بسبل أخرى
أيضاً، بما في ذلك نشر شبكات اجتماعية، وإقامة جامعات مثل تلك التي في إسرائيل، ومحاولات
شراء موانئ في إطار “الحزام والطريق” الخاص بها.
بالنسبة لإسرائيل، تثير
العلاقات مع الصين مشاكل معينة بسبب علاقاتنا مع أمريكا التي لا تراها بعين طيبة.
“عراب” العلاقات مع الصين الشيوعية كان في حينه دافيد بن غوريون، لكن بسبب موقف واشنطن
السلبي تأجلت العلاقات الدبلوماسية معها. ومنذئذ تطورت العلاقات بسرعة وباتجاهات مختلفة
وأصبحت عاملاً غير هامشي من ناحية الدولتين – بالنسبة لإسرائيل بالمفهوم الاقتصادي
لدرجة تحول الصين إلى واحدة من شركائها التجاريين الأساسيين، ومن ناحية الصين، إضافة
إلى الجوانب التجارية، في مواضيع التكنولوجيا، والزراعة الحيوية وما شابه أيضاً. في
الماضي، جرى تعاون ما أيضاً في مواضيع أمنية، لكن عقب تدخل أمريكي نشط، توقفت هذه العلاقات.
والآن نشهد تحذيرات متكررة من جانب الولايات المتحدة عن أعمال مشتركة أو استثمارات
من الصين – تحذيرات لا يمكن تجاهلها.
بقلم: زلمان شوفال
معاريف 20/12/2022
إرسال تعليق