أكاديميون إسرائيليون: حكومة نتنياهو
وسموتريتش وبن غفير ذاهبة لضّم الضفة الغربية وهذا يعني أبرتهايد
الناصرة- “القدس العربي”: شرع الكنيست الإسرائيلي الجديد، اليوم،
بتشريع قوانين سريعة تعرف بالقوانين الخاصة، بغية تمكين نواب من ائتلاف نتنياهو السادس
إشغال مناصب وزارية رغم إدانتهم بتهم جنائية، علاوة على تسمين صلاحيات بعضهم، بمن فيهم
وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير الأمن باتسلئيل
سموتريتش، اللذان يتطلعان للضم الزاحف المتسارع لأراضي المنطقة
“ج” في الضفة الغربية المحتلة، وزيادة القبضة أكثر على الفلسطينيين في طرفي الخط الأخضر.
في هذا المضمار يرى وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق يوسي بيلين
أنه ينبغي إبقاء نتنياهو مع شركائه المتشددين وعدم منحه الفرج، كي يتأكد الإسرائيليون
بشكل قاطع أن الشعارات العالية التي تتحدث عن الحلول البسيطة واستخدام القوة فقط مع
الفلسطينيين ليست سوى وهم. وقال بيلين، في مقال في صحيفة “يسرائيل هيوم”،
إن جهات إسرائيلية تحدثت في الأيام الأخيرة مع نتنياهو، وحذرته
من خطورة الاتفاقات مع شركائه الائتلافيين في مجالات الأمن، والقانون، والقضاء، والتعليم،
وخرجوا بانطباع مشابه: انقضاء سريع لمرحلة النشوة. وقد سمح نتنياهو لمن حادثه أن يفهم
بأن الحديث يدور من ناحيته عن تشكيل “حكومة لا مفرّ”. منوهاً أن نتنياهو يرى نفسه كمن يواصل الدفاع عن الأمور
الحيوية والمقدسة في نظره (مثل بند الحفيد في قانون العودة الذي يكفل هجرة للبلاد لأنصاف
يهود)، ويتباهى بالمطالب الهاذية التي رفضها في أثناء المفاوضات الائتلافية الصعبة.
ووعد بأن الكلمة الأخيرة في أي موضوع ستكون مضمونة له، بحيث ألا يتصرف كل وزير أو نائب وزير كما يشاء. كما ينقل بيلين عمن التقوا
نتنياهو في الأيام الأخيرة قولهم إنه يشعر بالظلم في كل ما يتعلق بمحاكمته، وأن نتائج
الانتخابات تمنحه فرصة لمعالجة ذلك، وأنه بعد انتهاء الفصل القضائي، سيفحص تغييرات
في ائتلافه الجديد. ويشير بيلين إلى صدور أصوات في معسكر الوسط – اليسار الصهيوني دعت
للارتباط بنتنياهو قبل وقوع المصيبة
على إسرائيل، ومنع قرارات وتعيينات هاذية. وينوه بيلين أن الحديث يدور عن دعوات نابعة
من وطنية حقيقية وخوف شديد من الاتفاقات المتحققة، وعن ذلك يتابع: “قد نفهم ذلك، بل
وحتى نقّدر من يطلق هذه الدعوات، لكن لا يمكن الاتفاق معهم؛ فنتائج الانتخابات تمنح
فرصة لأن يوضع فكر اليمين الصرف في الاختبار.
الشعارات
المتكررة من نمط “دعوا الجيش ينتصر”، ومطالبات التحرر من قيود حماة الحمى منحت أناساً
غير قليلين في إسرائيل إحساساً بوجود حلول بسيطة جداً للمشاكل المركبة التي تقف أمامها
إسرائيل، لكنها حلول لا تتحقق خوفاً من العالم (الذي هو دوماً ضدنا)، وبسبب رقيقي الروح
(الذين يهمهم دوماً الجيران ولا يهمهم
إخوانهم) ويهود أمريكا (الذين يستمتعون بالحياة في الولايات المتحدة، ولا يهاجرون إلى
البلاد، ولا يدفعون الضرائب في إسرائيل، ولا يتجندون للجيش الإسرائيلي، ويعتقدون أنه
مسموح لهم انتقادنا(..
ويقول بيلين، ساخراً من جمهور اليمين المتشدد، إن أولئك الذين
يؤمنون بالحلول المقترحة صباحاً مساء، وليسوا واعين للثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل
على تحققها، هم أولئك الذين منحوا اليمين المتطرف قوته في الانتخابات الأخيرة، وهم
من ينبغي لهم أن يتبينوا كم هي معتلة هذه الشعارات. ويتفق بيلين مع مراقبين إسرائيليين كثر أن الحديث يدور عن خطوة سيضطر الإسرائيليون
جميعاً لدفع ثمنها، وهذا ليس ثمناً زهيداً، لكنه ضروري لكي نعيد الديمقراطية الإسرائيلية
إلى مسارها، وإلى الجدال الشرعي الذي دار فيها حول تقسيم البلاد، الذي سيضمن إسرائيل
كدولة يهودية وديمقراطية للأجيال القادمة أيضاً، العودة لسياسة الرفاه، وإخراج أحكام
الأحوال الشخصية الدينية من المجال
القانوني، ومنح إمكانية للزواج المدني، وغيرها.
دعوا اليمن ينتصر
ويعتقد بيلين أنه لم تطرح في الجدال الإسرائيلي الداخلي حتى
الآن حجج حول حيوية الأزمة الديمقراطية، ولم تسمع أقوال عن التفوق اليهودي. ويؤكد بيلين
أن ولاية حكومة إسرائيلية جديدة مع سياسيين معجبين بالحاخام العنصري الراحل مئير كهانا
والحاخام المتطرف تاو، كفيلة بأن تكون فرصة للعودة إلى الجدال الشرعي لأنها ستكشف عورة من يمجدون الحلول البسيطة. ويخلص
بيلين لتبرير رفضه لمشاركة أحزاب “الوسط- اليسار الصهيوني في حكومة نتنياهو السادسة،
رغم خطورتها، ورغم تأييد البعض لذلك من باب حماية إسرائيل من التدهور لأزمات خطيرة،
بسبب وضع دفة الحكم بيد متشددين وغيبيين أمثال بن غفير وسموطريتش”. إن انضمام محافل من الوسط – اليسار إلى الحكومة
سيسمح لليمين بالادعاء بأن أهدافهم كادت تتحقق لولا دخول الوسط – اليسار إلى الائتلاف
الذي دمر كل شيء. “دعوا اليمين ينتصر” ستكون السياسة الأفضل للمعارضة برئاسة لبيد مع
ثمن لا بد من تسديده جميعنا، لكنه ثمن من الصواب دفعه من أجل مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية”. ضم الضفة بصورة قانونية وتستمر التحذيرات الإسرائيلية من تبعات تشكيل
ائتلاف حكومي متطرف يرمز للعدوانية المفرطة تجاه الفلسطينيين والعنصرية السافرة تجاه
فلسطينيي الداخل، والظلامية تجاه الأوساط الليبرالية اليهودية. في مقال مشترك يركّز
أربعة أساتذة جامعيين مختصين في القانون على مخططّ الضمّ في فترة الحكومة المتشكلة،
التي سيعلن عن قيامها قبيل نهاية الشهر
الجاري. يرى هؤلاء (رونيت لفين– شانور، ياعل برده، وتمار مجيدو، وإيتمار مان) أن حكومة
نتنياهو وسموتريتش وبن غفير تتجه لـضم الضفة بصورة قانونية”. ويستذكر الأكاديميون الإسرائيليون
الأربعة أنه في حزيران 1967 ضمت إسرائيل الشطر الشرقي من القدس المحتلة بأمر يحدد
نقاط ترسيم يطبّق فيها قانون الدولة وإدارتها وأنه عشية الضم،
بلّغ وزير القضاء الحكومة أنه طلب من رؤساء تحرير الصحف إبقاء الأمر طيّ الكتمان وعدم
نشره. وذكر الوزير أن جميع الصحافيين “وافقوا على عدم إثارة ضجة كبيرة حول الأمر”،
باستثناء رئيس تحرير واحد اعتبر أن إبقاء الأمر طيّ الكتمان أمر منافٍ للديمقراطية. عندما نُشر الخبر، لأنه لم يكن
هناك من مفر، وقفت إسرائيل ضد العالم، وادّعت أن هذا ليس ضماً. وفي رسالة إلى الأمين
العام للأمم المتحدة، كتب وزير الخارجية الإسرائيلي وقتها أن مصطلح “ضم” ليس في مكانه
فالإجراءات المتخذة تتعلق بتوحيد المدينة على المستويين الإداري والبلدي، وتوفر أساساً
قانونياً لحماية الأماكن المقدسة”.
الضم يعني أبرتهايد
ويقولون في مقالهم المشترك إن هذا كان ضماً منكراً وخفياً، ويتطلع
إلى أن يبقى سراً والآن، نحن نشهد النسخة 2023 من الضم، والتي تختبئ في إشارات صغيرة
في الاتفاق الائتلافي بين “الليكود” وحزب “الصهيونية الدينية”. وينبهون إلى أن ضم المناطق الفلسطينية إلى إسرائيل
لن يجري علناً، على الرغم من التصريحات العالية بشأن
أهمية هذه المناطق الإستراتيجية والوطنية والتاريخية. ويرجحون أن الضم سيُدفن في وثائق
بيروقراطية، وفي تغييرات تنظيمية، قد تبدو للوهلة الأولى غير ذات أهمية، ومن خلال إضعاف
حراس الدولة، وبواسطة توجيهات إدارية وقرارات أمر واقع تصبح روتينية. ويتابع المحاضرون
الجامعيون الأربعة: “
لكن الاتفاق الائتلافي يدل على ضمّ قانوني لـ”المناطق”، وعلى
نية البدء بتطبيق نظام “الأبرتهايد” ضد السكان الفلسطينيين. ويؤكد هؤلاء أن هذا هو
مغزى نقل الصلاحيات الإدارية والتنظيمية، التي تضمنها الاتفاق، وتعيين الرتب العليا،
إلى المستوى السياسي، وإلغاء الصفة المستقلة للمستشار القانوني في ما يتعلق بالمناطق الفلسطينية في النيابة العامة العسكرية والنيابة
العامة للدولة، وخضوعها مباشرة للمستوى السياسي، وإنشاء آلية مستقلة للمستوطنات، دون
أيّ إشارة إلى الوضع المدني للفلسطينيين.
ويشيرون لأهمية الانتباه بصورة خاصة إلى نقطتين تدلان على الضم:
الأولى، بموجب الاتفاق الائتلافي، سيجري تمويل وتنفيذ خطة انتقائية وشخصية لتطبيق قوانين
الكنيست على المنطقة الفلسطينية، بوساطة آلية رسمية، بأوامر من قائد المنطقة العسكري.
صحيح أن القائد العام للمنطقة هو الذي سيوقّع هذه الأوامر على مضض، لكن مَن يأمره بذلك
هو الوزير المعيَّن من حزب “الصهيونية الدينية”، وبالتنسيق مع عمل “الإدارة المدنية”
للمستوطنات، والتي ستنشأ تحت إمرته”. وينبهون أيضاً إلى أنه بهذه الطريقة، فإن الصلاحيات
الجوهرية لسنّ تشريعات في المنطقة الفلسطينية ستكون بأكملها في يد السلطة السياسية
– التنفيذية، ولن تكون في يد القائد العسكري، ولن يكون
الكنيست هو المسؤول عن سنّ القوانين في المنطقة. وبموجب رأيهم فإن معنى ذلك تطبيق قوانين
أساس حكومية مباشرة، دون العودة إلى البرلمان، ووفقاً لوجهة نظر الهيئة المسؤولة عن
المستوطنات.
هل حقاً نتنياهو أسير؟
وينبهون إلى أنه، بالإضافة إلى ذلك، يلغي الاتفاق الائتلافي
المكانة الخاصة لوحدة المستشار القانوني في مناطق الضفة الغربية، وهذه الوحدة عملت
عشرات السنوات ضمن إطار النيابة العامة العسكرية، وهي تقدم استشارة قانونية مستقلة
للقائد العسكري للمنطقة، ولرئيس الإدارة المدنية.
ويمضي هؤلاء في استطلاع القادم: “على الرغم من انتقاداتنا الكثيرة
لعملها، فإن هذه الوحدة ترى نفسها مُلزمة بالقيام بواجباتها حيال القائد العسكري، وتحمل
في حقيبتها القانون الدولي وقوانين الاحتلال، والقوانين الإدارية والدستورية الإسرائيلية.
من الآن فصاعداً، لن يقف أحد في طريق المستوى السياسي الذي لا يعتبر نفسه مُلزماً بقوانين الاحتلال، ولا بالدفاع عن
حقوق السكان الخاضعين للاحتلال– أي الفلسطينيين سكان الضفة الغربية”. ويخلص هؤلاء للتأكيد أن هذا
الواقع يستحق اسماً، وهذا الاسم هو الضم وليس أيّ ضم، بل هو ضم مصحوب بـ”أبرتهايد،
حيث الفلسطينيون ليسوا مواطنين. والضم و”الأبرتهايد”، على حد سواء، يحظرهما القانون
الدولي. الضم هو عملية تدريجية، وما يجري الآن حاسم. لم نعد بحاجة إلى الانتظار لإعلان
“تطبيق السيادة”:
فهذا ما يجري فعلياً”. يشار هنا إلى أن صحيفة “هآرتس” العبرية
قد نشرت وثيقة تشير إلى التزام المستوطنين بإخراج الفلسطينيين من معظم الضفة الغربية
خلال ولاية حكومة نتنياهو السادسة، والتي يخضع فيها نتنياهو لابتزازات اليمين المتطرف
وغلاة المستوطنين، وفق تأكيد مراقبين إسرائيليين، ولكن مراقبين آخرين يرون أن هذه هي رؤية نتنياهو أيضاً، خاصة أنه
سبق أن حاول ضم الضفة الغربية في ولايته السابقة.
Enregistrer un commentaire