“ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذي الجموع رجالا”
* يلجأ الكثير إلى توظيف الرمز لاعتباراتٍ فنيةٍ، وقد يلجأ إلى ذلك لاعتباراتٍ سياسيةٍ أيضًا حين تكون الأجواءُ خانقةً والاعتراضُ ممنوعًا والأفواُه مكمّمةً، فلا يجد أمامه سوى الرمز والتمثيل لإيصال فكرته واللبيب بالإشارة يفهم !
يخبرنا تاريخ بلاد فارس القديمة أن أحد ملوكها قد طغى وتجبّر وظلم الناس ظلماً ما بعده ظلم، وكان عنده وزير حكيم اسمه (بزرجمهر) نصحه أن يرأف بالعباد والناس. لكن الملك الطاغي بدل أن يسمع ويرعوي أمر بشنقه في الساحة العامة علناً، وفي يوم تنفيذ الحكم هب الناس من كل صوب وحدب , ليشهدوا مقتل المصلح الكبير، وأقبل كسرى ملوحاً للناس وهو يجلس على عرشه، وحوله قادته، ويؤتى بالوزير يسوقه جلاده الذي أخذ ينادي هل من شافع للوزير؟ فيأتيه جواب الجموع: لا، لا.. ويلتفت كسرى نحو الجموع، فيرى فتاة جميلة تشق الصفوف في هيئة ومظهر يعده الفرس عاراً، فيرسل إليها من يسألها عن سبب سفورها فيأتي جوابها، حكمًا صارمًا يدين الحاكم المستبد، والشعب الخانع المستسلم، الذي تجرد من رجولته وغدا رسومًا وظلالاً.
مَوْلاَي يَعْجَبُ كَيْفَ لَمْ تَتَقَنَّعِي
قَالَتْ لَهُ: أَتَعَجُّباً وَسُؤَالاَ!
أُنْظُرْ وَقَدْ قُتِلْ الحَكِيمُ فَهَلُ تَرَى
إِلاَّ رُسُوماً حَوْلَهُ وَظِلاَلاَ
فَارْجِعْ إِلَى المَلِكِ الْعَظِيمِ وَقُلْ لَه
مَاتَ النَّصِيحُ وَعِشْتَ أَنْعَمَ بَالاَ
وَبِقيِتَ وَحْدَكَ بَعْدَهُ رَجُلاً، فَسُدْ
وَارْع َ النِّسَاءَ وَدَبِّرِ الأَطْفَالاَ
مَا كَانِتِ الْحَسْنَاءُ تَرْفَعُ سِتْرَهَا
لَوْ أَنَّ فِي هَذِي الجُمُوعِ رجَالاَ
ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذي الجموع رجالا
Enregistrer un commentaire